بعدما تمعنت جيداً في تلاوة الشيخ محمود صديق المنشاوي وجدت أنه قد أحدث طفرة رائعة في اسلوب المدرسة المنشاوية منذ ظهورها على الساحة حتى الآن، فلا شك أنه هو آخر فروع عائلته من حيث الإثراء النغمي والأداء المشبع للأذان، وذلك ببساطة لأن صوته لا يقل جمالاً عن صوت أخيه الشيخ محمد صديق المنشاوى بل اخذ كاريزما خاصة في إيقاع التلاوة.
فتراه يجعل من رتم الأداء درجة أقل سرعة عن مدرسة أخيه، وذلك ليتمكن من إضافة بصمته الخاصة في التلوين النغمي خصوصاً منطقتي القفلة النغمية لكل جواب ومنطقة ما قبل القفلة بكلمة أو كلمتين من النص القرأني، ولا عجب في أنه لديه كل أدوات التفصيل والتحقيق بين أحكام التلاوة والصوت الحسن وما بين تقديم عروض مختلفة في إنشاء جملة نغمية سليمة لدرجة كبيرة لا تخطأها الأذان .
وعلى مدار أربعة عقود أو يزيد كان صوت الشيخ محمود صديق المنشاوي منبع لتقارب وجهات الفن بين مدرسة آبيه ومدرسة الشيخ سلامة والذى ظن الجميع أنه سوف تنتهي برحيل الشيخ محمد أخيه، فكان لزاماً علي الشيخ محمود أن يظهر في ثوب جديد حتى لا يختلط صوته بمدرسة اخيه وتختفي هويته الشخصيه في أثناء هذا الحين.
مما جعله يواجه من الصعوبات في بداية حياته وتقديمه للجمهور بصورة جديدة تختلف عن أخيه حتى يتمكن من رسم طريق البداية لمدرسة جديدة قادمة في عصر أُسود دولة التلاوة حيث كان ظهوره فى توقيت مرعب وصعب للغاية لما فيه من عمالقه مثل الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ البنا والشيخ عبد الباسط والشيخ شعيشع والشيخ محمد عمران وغيرهم الكثير، ولكنه أحدث فارق كبير في وقت ضئيل جداً.
فأصبح له جمهور عريض من مدرستي ابيه وسلامة ثم مدرسة الفنيات الجديدة والتي تظهر عقب كل قفله مختلفة يقتادها الشيخ محمود المنشاوي باقتدار وبمساحة صوتية هائلة لا تحتاج لمزيد من الجهد، وذلك لكثرة إمكانياته سواء من الناحية الصوتية أو من الناحية الفنية حتى أنه تعمق كثيراً في أنماط النغم الشرقي بأسلوب ممتع وجديد .
أما عن خامته الصوتية فقد يثيرنا بعض التعبير عندما نجد أن صوته لم يأخذ التعريف الكافي لفصيلة البرتون وحده بل له درجة أخرى من فصيلة الباص، والتي تلاحظ قوة غلظتها أثناء منطقة القرار حتى أنه يجوب فيها مسترسل لمعاني الآيات، وكأنه مازال في منطقة البياتي رغم أنه قد يكون في مقام أخر أو بعدما يقطع شوطً كبير من التلاوة، ثم يجمع كل المعاني الذي أجاد فيها بطبقة القرار وبتون صوتي منخفض حتى يصعد مرة واحدة يجمع فيها كل ما سبق ذكره من تطريز ونغم أثناء مثول صوته لأدني تون صوتي لدى حنجرته.
ثم يعود بالجواب القوى لكل ما سبق بطبقة صوتية تصاعدية الآن الأدنى إلي الأعلى، ثم لا يكفيه ذلك بل يذهب بعد الجواب العالي إلي ما هو أصعب وهي منطقة الجوابات الصعبة والحادة بأسلوب، وترتيب زمني منظم لا يفقد خلاله ظبط الركوز علي المقام الذي يقرأ منه حتى وهو في أعلى طبقات صوته.