بينما تودع محافظة المنوفية أحد اساتذتها في ديوان ملوك التلاوة الشيخ الشعشاعي وإذا بها تخرج من جعبتها أحد فتوات التلاوة لتعيد أمجادها، وتثبت جدارتها في إثراء دولة التلاوة والتجويد وتصبح أحد أكثر المحافظات إنجاب ً للعباقرة، وضيف حديثنا اليوم هو الشيخ المتين شعبان عبد العزيز الصياد، وعندما نتحدث عن الشيخ الصياد فهو حقيقة ومن باب الإنصاف يعتبر ثالث ثلاثة تصنيفاً للحناجر القوية بعد النقشبندي والبهتيمي .
وإذا ذهبنا إلي الناحية الأكاديمية لمدرسة الشيخ الصياد فسوف نجد أشياء جديدة لم نكن ندقق فيها في العقود السالفة فهو أولا ينتمي صوتاً إلي مجموعة البرتون الشهيرة، ولكنه حاد في أقصى درجات الجواب الذي يخوض فيه بكل قوته دون مجهود أو تعب، ثم يعود تدريجيا إلي الطبقة الأخيرة من التون الصوتي والذي تشتد فيه الغلظة الصوتية مضيف إليه عُرب وزخارف صوتيه مميزة بصوت يملئه الخشوع والتأثر بأيات الله.
فتجده يضع صوته موضع الحالة القرأنية وما جاء فيها من تعريف بنور الوعد ونيران الوعيد ثم تحتد لهجته الصوتية إذا ما مر على آيات العذاب، وكأنه مُبلغ حزين الإحساس لما يراه الظالمون من عقوبة تؤثره فيها مشاعر الآلام ويُعد صوت الشيخ شعبان عبد العزيز الصياد من الأصوات القليلة التي تستهل التلاوة بجاهزية كامله حيث أنه يستطيع أن يهديك جواب كامل بعد دقيقتين فقط من بدأ التلاوة فلا يحتاج الي وقت طويل لتجهيز صوته وتهيئته للوصول لأعلي تون صوتي.
ورغم ذلك لا يكفيه تلك الجاهزية عن الخوض في مقام البياتي بصورة مختلفة عن ما قبله من أقرانه أو حتي من جاء بعده فتراه يبدأ التلاوة بالترتيب النغمي بداية من البياتي، كما ذكرت ولكن بتون مختلف يتناسب مع قوة حنجرته ويتناسب مع أذن السميعة والمحبين بحيث يكون بعيداً كل البعد عن النشاز كما يكون بعيداً أيضا عن أي فجوات تحدثها الطبقة العليا للصوت عند بعض المشايخ الأخرى .
أما عن مساحته الصوتية فهو يمتلك مساحة هائلة من الصوت، وقد يظهر هذا جاليا عندما تسمعه للوهلة الأولى، فتتيقن أن هذا الرجل لديه قوة ومساحة صوتية لم تكن في الكثير من أقران جيله حيث لديه القدرة أن يذهب بك بصوته إلي أثنين أكتاف في أول جواب بعد استهلال التلاوة، وذلك كما ذكرت سالفا دون اجهاد أو شرخ في حنجرته.
ومن العجيب والذي اثارني أنا شخصياً هو كيفية إدارة المدة الزمنية التلاوة بهذا الشكل الذي وهذه الطريقة التي يقرأ بها الشيخ الصياد، فمن المعلوم أكاديميا ولدى أساتذة، وخبراء الأصوات أن القارئ لابد أن يبدأ التلاوة من أقل تون صوتى، ربما يكاد أن لا يصل صوته للجمهور في أول لحظات التلاوة حتي يتمكن خلال خمس دقائق أو اكثر من ظهور ملامح صوته لدى السميعة.
ولكن الشيخ الصياد لم يمتثل لهذه القاعدة بل كسرها بنجاح ملحوظ فتراه يستهل التلاوة من طبقة متوسطة، ولكنها تحمل من القوة ما تصل به للجمهور كتعبيراً عن ما يحدث بعد قليل من جوابات أخري، واسترسال في تحضير الصورة الكاملة لمعالم التلاوة والموضع الذي يقرأ منه ورغم كل هذا التركيز الشديد فهو لا يخل بأحكام التلاوة والتجويد ولا مخارج الحروف بل يعطى كل حرف حقه من المخارج والصفات دون أي خلل في أي منهما.
وقبل أن اختم حديثي عن الشيخ الصياد أود أن القى الضوء على استخدامه لمقام الرست والذي أظن أن الشيخ الصياد هو أحد القلائل الذين قدموا عروض قوية في هذا المقام بل وفروعه أيضا خصوصاً النوى أثر متخذ من ذلك منهل فريد سيظل عالقاً بأسمه على مدار الأزمان، رحم الله الشيخ شعبان الصياد واسكنه فسيح جناته لما قدمه لخدمة كتاب الله تعالى.