ماذا لو أمتد به العمر إلي أكثر من ذلك، عٌرف بعذوبة صوته منذ الصغر وكان له باع كبير في فن التطريب سواء القرأني أو الموشحات، وولد كفيفا فأضاء الله بصيرته بالقرآن، هو الشيخ محمد حسن النادي، الذى رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 38 عاما، ليكون من أصغر المقارئ الذين رحلوا في سن صغير.
ثمانية وثلاثون عام فقط كانت سبب ظهوره وأختفائه أيضا من الساحة، فعرفه الجمهور بالصوت العتيق الذي يجذب سمعك أينما كنت، وكأنه يأتي من كوكب آخر ليطل على أذهان السمع الحسية عندما جمع بين حلاوة الصوت وفنون التلاوة، فأصبح مغردا في كل فؤاد أو جمع من السميعة بين التلاوة تارة وأخرى بين الإنشاد فى فترة زمنية لا تتجاوز الأربعين عام.
الشيخ محمد حسن النادي «القارئ العملاق»
وبالرغم من ذلك حقق لمحبيه متعة خاصة في فن التلاوة والموشحات، ورغم أن تجاهلته الإذاعة لعدة عقود منذ وفاته، ولكن لم يتجاهله متيموه، فبرز كفارس خفي يأتي من بعيد عبر أسير موجات الطرب، وكأنه يتحاكي مع القمر عندما قال الليل يطول ياقمر.
فكان يظن البعض أن سيرته ستختفي إلي الأبد برحيله عن دنيا الألم، ولكن كان للقدر كلمة بعدما ظهر له عدة تسجيلات تجوب عنان السماء وفي طياتها فن مطرز بصوت حسي له مقام فريد ومفردات أخري ميزته عن سائر أقرانه في هذا الميدان، فاستطاع أن يستغل موهبته الرنانة في القاء الموشحات، وكذلك القرآن أيضا لأبعد صورة ممكن يتخيلها بشر من الجمال.
والشيخ محمد حسن النادي رغم إعاقته البصرية كان له ذوق خاص في إلقاء الموشحات صوت يتأثر بما يقول فلا توقفه عوائق الصعاب، ولا ينتابه النشاز، لتصغي له كثيراَ وتتلذ بما يقول من فن وتطريب حيث يضع بينك وبين أُذنيك حالة من الشجن تعيشها فقط وأنت تنصت لهمسات صوته قبل لمساته الفنية في كل مرة.
أتذكر أنه عندما كان يقرأ ولما وصل لقوله تعالى ( قالت فذلك الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) استشعرت وقتها حجم المعنى من قوة تأثير الشيخ، وكأنه يوجه عتاب شديد اللهجة لصويحبات زليخه وما دار بينهم من معاناة مستخدم المقام المناسب للآيات، رحم الله فضيلة الشيخ العملاق محمد حسن النادي، وأسكنه فسيح جناته.