رغم أنني لم يوافقني الحظ بمقابلته إلا إني لازلت اشعر بالتقصير تجاه موهبته الكبيرة الجبارة وأسلوبه المميز في تزيين أسلوب التلاوة نغمياً وصوتياً إنه الفتي المدلل لدولة التلاوة وأحد أعمدتها صاحب الفضيلة الشيخ راغب مصطفي غلوش .
في ريف مدينة طنطا وبالتحديد قرية برما شهد عام 1938 مولد عبقرية جديدة في عالم التلاوة لا شك أنها أثرت أسماع المحبين بصوت جديد له ملمس خاص كأنه الحرير، صوت خيالي تأثر بمدارس عدة ولعل أشهرها مدرسة الشيخ مصطفي إسماعيل ورغم تأثره بتلك المدارس والمواهب المختلفة فقد تمسك بمدرسته وأسلوبه الراقي، ليضع بصمة جديدة لا يمكن أن يمحوها الزمن علي مدار التاريخ.
فقد منحه الله مزمار من مزامير آل داود ينتمي فيها صوته للمجموعة الأكثر استحواذً على مدارج الطبقات والخامات الصوتية وهي عائلة البريتون مثله مثل الشيخ مصطفي إسماعيل والبهتيمي والمنشاوي، ليجوب في سماء دولة المحبين واسماع العاشقين ومن أتاهم الله فن التذوق السمعي والحسي لكلمات الله.
هو صاحب الفضيلة الشيخ راغب مصطفي غلوش الذي جاء في حقبة زمنية مليئة بالمواهب والأصوات الندية ليضيف بصمته إلي جانب بصمات كبار المقرئين، وذلك لتميزه بخامة صوتية رخيمة تحمل في مجملها رسائل المتعة وتضيئ عبر اثير القلوب وشغافها فهي لا شك مدرسة لا تعرف التقصير بل أوتيت كل سبل النجاح لتصبح متفردة وسط أسود التلاوة وعمالقتها .
فكان “غلوش” ينزح صوته بداية من القرار البياتي المطرز والذي يجذبك به نعومة صوته في ترصين كل نغمة صوتية ملتزماً بالأحكام الدقيقة، والمخارج السليمة للحروف دون تكلف أو تقييد، فتراه ينثر موهبته الخاصة علي أحرف وأطراف كل جواب أو قفلة نغمية ولو في تون وسطي من الصوت، وكأنه يبعث رسالة فنية لكل أذن موسيقية عشقت السماع لكلام الله من حنجرته الجوهرية.
“غلوش” تجده يذهب أحيانا لعفق شديد في جواب واحد، وذلك عندما يستشعر عظمة الآية الكريمة وما تحويه من معنى سواء كان نذير أو وعيد وكأنه يقف موقف المبلغ لآيات الله، ثم يخفض بصوته درجة أخرى وربما زاد عندما يمر على آيات النعيم لا يكفيه أن يتخذ من الوعد القرأني نغمة فنية واحدة، فتراه يذهب لأكثر من مقام مستند على ما عنده من حصيلة فريدة من النغم .
ولا شك أن “غلوش” قد يزهلك أداءه المنظم نغميا وصوتية بداية من البيات صعودا بالرست أو النهاوند ثم يستدرج أذنيك معه وقلبك عندما يذهب لفرع من الصبا أو الصبا ذاته ليؤثر فيك مشاعر الهلع والرهبة، ثم يعود مرة أخري لمقام السيكا وفروعه وما يجنيه من سعادة، رحم الله الشيخ راغب مصطفي غلوش وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم من خدمة كتاب الله وإسعاد عشاق التلاوة في مشارق الأرض ومغاربها.