رغم ظهوره في منتصف العقد الثاني لدولة التلاوة وعباقرتها لم يثنيه وجوده وسط العمالقة من بذوغ نجمه بين الكبار، حتي صار أحد رموز دولة التلاوة، يقتدي به الكثير من رواد المجال ليحل ضيفا على دولة التلاوة، وخصوصاً أهل الفن الراقي منهم، ولكنه ليس كأي ضيف انه فريد النغم الكلاسيكي والذي يبحر فيه بأساليب عديدة متخذا من مناهل العباقرة زهرتهم الفنية في زخرفة كل أية بعُرب صوتية تكاد تجعلك كمستمع في حيرة عندما تضعها على آلة التحليل والتحقيق.
وكنت اتعجب دائماً عندما أجد الشيخ محمود محمد رمضان يشدوا بصوته بطريقة منفرده رغم تأثره بالشيخين علي محمود وسلامه، فقد وضع بصمته المميزة في ميدان التلاوة بخامة صوتية خاصة بها من الفخامة ما يستطيع أن يجذب به افئدة المحبين والشيخ محمود محمد رمضان قد حباه الله بصوت رخيم ينتمي علمياً إلي فصيلة التينور من الطراز الأول، والذي يتمثل في حدته عند الجواب الأول، ويزداد مرونه كلما استرسل في التلاوة حتي يصل إلي الجوابات الصعبة والتي أكاد أن أطلق عليها لفظ مستحيلة لعظمة حدتها دون نشاز.
وإذا ذهبنا إلي الناحية الصوتية من حيث المساحة فسوف نجد من العجب ما قد يذهل العقول فترى الشيخ رمضان يتفوق ببساطة عند جوابه الأول بأثنين أكتاف صوتي، ويزيد في مرحلة تعليق الجواب الأول وهو ما زال في الطبقة الوسطية دون أن يدخل في أعماق التلاوة فهو يمتلك من جاهزية الصوت، ما يؤهله أن يعطيك جواب سليم بعد دقيقتين فقط من بداية التلاوة وهذا أمر صعب للغاية فطبيعة الأصوات الشرقية تميل إلي أسلوب التسخين حتي يظهر الصوت بمرونة نغمية دون نشاز لا تقل عن خمس دقائق وهي فترة تأهيل الصوت للخوض في مجريات التلاوة من حيث العفق النغمي، وأسلوب التطريب. وقد يظهر هذا جلياً عند أغلب مشايخ التلاوة من الأجيال القديمة والحديثة أيضاً أما الشيخ محمود محمد رمضان لا يخضع لهذه القاعدة منتمياً للشيخ رفعت وكامل يوسف البهتيمي فهؤلاء أيضاً لا يخضعون لقاعدة التسخين أو التأهيل الصوتي فعندهم من الجاهزية الصوتية، ما يؤهلم أن يشدوا بجواب مرتفع منذ بداية التلاوة، وهذه مزية تميز بها الشيخ محمود محمد رمضان بجانب، كما ذكرت سالفا رفعت والبهتيمي.
ومما يدهشني أيضاً هو الركوز النغمي الرهيب أثناء الجوابات الحادة، والذي يتميز به أيضاً الشيخ رمضان مع مجموعة أخري من المشايخ وهم رفعت والشعشاعي الكبير ومصطفي اسماعيل والبهتيمي، فقد رأيت كثيراً من مقرئ الزمن القديم عندما يحتد صوته بالجواب في المناطق الصوتية المرتفعة، تجده يكتفي فقط بخامة صوته دون نغم أو تطريب أو بالمعنى البلدى دون عُرب بضم العين.
أما الشيخ رمضان فهوعكس ذلك تماما فعندما تسمعه وهو في أذهي مراحل الجوابات من حيث القوة والحدة تجده يعطيك جواب به من الزخارف الفنية من حيث الطرب والتنغيم المقامي والصوتي، ما يملأ قلبك قبل أذنيك دون أن تهرب منه النغمة أو أن يشرخ صوته فهو يستطيع بكل بساطه أن يتحكم في النغمة أو المقام الذي يقرأ منه مع الحفاظ على التون الصوتي ملتزماً بأحكام التلاوة ولا يخل بمخارج الحروف.
ومن أكثر الأشياء غرابة والتي تستفزني أنا شخصياً هو حصر بعض المنتسبين إلى السمع حصر الشيخ رمضان علي مقام الكرد، وأرى في ذلك ظلم بين للشيخ رمضان حيث أنني اعتبره حالة مكتملة نغمياً وحتي إن كان يركز بعض الوقت مع مقام الكرد أو أنه أجاد فيه بصورة مختلفة عن بعض أقرانه لكني أراه أنه تميز في باقي المقامات أيضاً بصورة تفصيلية لا تقل جمالاً عن مقام الكرد.
وإذا أردنا أن نثبت ذلك فأنصت له كثيراً حينما يتجول في مقام الحجاز ومشتقاته وخصوصاً الحجاز أو الصبا، وكذلك الجهاركا، والذي يختم به الشيخ الجواب بعُربه صوتية تميل أحيانا لمقام البياتي أو الرست مع العلم أن بداية الجواب تميل لمقام الصبا بعُربة واحدة لا تزيد عن ذلك وهذه هي الفراسة الحقيقية للقارئ المتمكن، رحم الله الشيخ محمود محمد رمضان.