بين جدران دولة السميعة نشأ ضيفنا صاحب السيرة العطرة، ليعلق به أفئدة المحبين وقلوب أهل الفن والجمال، بين منطقة باب البحر وباب الشهرة نشأ الشيخ العملاق ليحل ضيفاً جديدا علي مسمع ومرئي دولة التلاوة، ولكنه ليس كأي ضيف إنه عبقري النغم الخاص وتحديدا مقام الكرد، وإن شئت فقل إنه ملك الكرد.
فصوته الرنان لا تخطئه الأذان بل يسموا بها ويحلق في ملكوت الجمال القرأني، ولعل ذاك الصوت العتيق كان من الممكن أن يكون أشهر المطربين لولا أنه أثر تلاوة كلام رب البرية، فإذا إستمعت إليه تظنه من العصور القديمة وليس حديثي العهد إنه الشيخ محمود محمد رمضان الذي أضاف كل ما هو جميل إلي عباقرة دولة التلاوة.
ليس متملقاً لأسلوب بعينه بل كان منفردا في معظم الأحيان، ورغم تأثره بعباقرة دولة التلاوة كالشيخ علي محمود والشيخ محمد سلامه إلا أنه فرض لنفسه أسلوب فريد تستطيع أن تميزه من أول لحظة أو حتي من الاستعاذه نفسها، ورغم أنه لم يعمر طويلا فقد اشغف عشاقه ومحبيه بروح تلاوته والتي ستظل علامة بارزة في دولة المحبين من أهل السمع الأصيل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الشيخ محمود محمد رمضان ذاك الصوت الذي يسبق دائما محبيه إلي عالم الخشوع قبل النغم وإلي عالم الروحانيات قبل الفنيات وذلك لفراسته وتمكنه الشديد في منطقتي القرار والجواب وأيضا جواب الجواب حيث الركوز والاستهلال، فهو القارئ العبقري الذى يُعد واحد من أفضل ما أنجبت دولة التلاوة علي الإطلاق قارئ دون حروف النغم بطريقته الخاصة، فغاص في بحر النغم بطريقة جديدة علي أسماع المحبين.
في عام 1927 وبالتحديد في منطقة باب البحر ولد الشيخ محمود محمد رمضان ليحل ضيفا علي مدرسة دولة التلاوة، ولكنه ليس كأي ضيف بل عبقرية أضافت فنون وجمال من طراز خاص لم يكن موجود بهذا الشكل من ذي قبل وحتي أكون منصفاً فهو أحد مقرئين قلائل اجادو في إبراز المقامات الغربية بجانب المقامات الشرقية، ومن هنا بدأ أسلوبه الكلاسيكي يظهر وبقوة في الوسط القرأني والفني رغم قصر عمره، فهذه مزية تميز بها عن غيره من أقرانه.
أما إذا ذهبنا لنقف علي طبيعة صوته، فسوف نجد من العجب ما يحير عقولنا، فصوته له من الجهورية ما يستطيع أن يصل للمستمع دون الآلات صوتية أو مكبرات، فهو قوي القرار ومتين الجواب، أضاف إلي عبقريته حسن التصرف بطبقات صوته المختلفة مع أختيار النغم المناسب لكل طبقة صوتية يمتلكها ليصبح قارئ فريد في عصره له بصمة صوت مميزة إذا إستمعت إليه من أول لحظة قلت هذا الشيخ رمضان.
رحمة الله علي الشيخ محمود محمد رمضان الذي رحل عنا في عام 1981 عن عمر 52 عام قد أثري خلالها أسماع المحبين بعبقريته ودولة التلاوة بجمال صوته، وجزاه الله خير الجزاء لما قدم من خدمة كتاب الله وإسعاد عشاق التلاوة في مشارق الأرض ومغاربها.