أولا- أحداث سبتمبر2001 والحرب المزدوجة :
تمثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 منعطفًا خطيرًا في السياسة العالمية؛ حيث تمكنت الولايات المتحدة من خوض حرب مزدوجة ضد الإرهاب برؤية أمريكية؛ فقد تم إسقاط نظام طالبان الذي يؤوي تنظيم القاعدة ومطاردة ذلك التنظيم عالميًّا حتى نجحت في القضاء على أغلب قياداته وعلى رأسهم الشيخ أسامة بن لادن الأب الروحي لهذا التنظيم.
وفى السياق ذاته عملت السياسة الأمريكية على الزج بالنظام العراقي في حربها على الإرهاب، واتُّهم أنه يدعم ذلك التنظيم، وأيضًا نجحت الولايات المتحدة في احتلال العراق عام 2003.
والمفارقة أن الحرب على الإرهاب لم تنتهِ حتى بعد سقوط كابل وبغداد، بل استمرت الحرب المفتوحة بين القاعدة وأمريكا في العديد من مدن العالم كفعل ورد فعل استغلها صانع القرار الأمريكي بحنكة وذكاء لتنفيذ أهداف إستراتيجية في المنطقة العربية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تمثل دائرة اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية من خلال ربطها بالأمن القومي الأمريكي.
ويمكن لنا التعرف على ذلك في قراءة سريعة على نشاط الخارجية الأمريكية في منطقة محددة من العالم لأكثر من ستين سنة نجد تلك السياسة تعتمد وبشكل واضح على حماية الأمن القومي الأمريكي من خلال السيطرة المباشرة وغير المباشرة على مصادر الطاقة العالمية في منطقة الخليج، وأيضًا العمل على حماية دولة إسرائيل، وهذا التزام أبدى على كل مرشح للرئاسة الأمريكية، والتاريخ السياسي الأمريكي شاهد على ذلك.
إن المتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية يدرك جيدًا أنه بعد أحداث سبتمبر 2001 انحسرت الأهداف الكونية إلى أهداف محددة جداً وفق دراسة معمقة ناتجة عن تخطيط إستراتيجي بعيد المدى..
ثانيًا- بنغازي من الثورة إلى أحداث سبتمبر2012:
فاجأت السياسة الأمريكية العالم بتغيير لم تعهده الخارجية الأمريكية في عمرها السياسي حيث أبرمت الصفقة الكونية في تقاربها نحو التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي والمنطقة العربية بكافة تشكيلاتها ومكوناتها، وأعطاها الضوء الأخضر بالعودة إلى الواجهة السياسية في العالم العربي تحديدًا من خلال الدعم الكامل والشامل للثورات العربية (الربيع العربي) ابتداءً من تونس مرورًا بمصر وليبيا ثم المغرب فاليمن وسوريا حاليًا؛ فإن اللاعب الرئيسي في تلك الثورات ينتمون إلى جماعات إسلامية كانت في السابق مصنفة أمريكيًّا كجماعات إرهابية ومحاربة من قبل الأنظمة العربية الديكتاتورية (ملكية – أو جمهورية – أو غيرها) .
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا التقارب الأمريكي مع الإسلاميين في الوقت الحالي ؟
إن صانع السياسة الأمريكية أدرك أن الجماعات الإسلامية بكافة مكوناتها ليس لها مشكلة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأن مشاكل تلك الجماعات ترجع في الأساس إلى حكوماتهم، وبذلك سوف يتم اتخاذ التدابير التي يمكن من خلالها رفع الدعم عن الأنظمة السلطوية وترك الجماعات الإسلامية تشارك في الحياة السياسية في العالم العربي، مع تحديد مسار عمل تلك التنظيمات بما لا يتعارض مع أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة. ولكن قد يقول أحدهم: إن ما حدث من تغيرات في العالم العربي هي ثورات على أنظمة مستبدة..
نعم كل ما حدث في العالم العربي ناتج عن ذلك، ولكن تم اختراق الشارع العربي ليصبح مسيطَرًا عليه لا يمتلك شباب الثورة بوْصلة القيادة فيه، والدليل على ذلك النموذجان اليمنى والبحريني !!
إذن، بالرغم من أن الشعوب العربية قد نجحت وحدها في إسقاط الأنظمة المستبدة كما في النموذجين المصري والتونسي، أو بمساعدة القوى العالمية كالنموذج الليبي فإن كل ذلك يوضح أن التخطيط الإستراتيجي الأمريكي بدأت ملامحه الكونية تظهر، فبعد نقل المعركة إلى أفغانستان واحتلالها والسيطرة الكاملة على الخارطة الجوإستراتيجية الممتدة من أفغانستان وحتى العراق نجد تجديدًا في تلك السياسة وهى السيطرة على الشرق الأوسط الكبير حسب مفهوم وكالة الطاقة الذرية وهو المنطقة الممتدة من أفغانستان وحتى ليبيا.
وفى ذكرى الحادي عشر من سبتمبر يوم 11/9/2012 ومن خلال الحرب المفتوحة- كما أسلفتُ- تعرضت القنصلية الأمريكية لعمل مسلح نتج عنه مقتل السفير الأمريكي وبعض حراس القنصلية، وهذا الحدث مثَّل صدمة للحكومة الأمريكية والشعب الليبي على السواء ولا شك أن هذا العمل نتج عن ردة فعل على بعض وسائل الإعلام الأمريكية وتعرضها للإساءة إلى شخص الرسول الكريم ليس في ليبيا فقط وإنما في جل العواصم العربية والإسلامية، إن مثل هذه الأحداث تمثل خطرًا على العلاقات التي تسعى الشعوب العربية والإسلامية لإقامتها مع العالم الغربي، ولكن بمتابعة الرؤى والأحداث فالتاريخ السياسي الأمريكي يوظف في مثل هده الأزمات، فإذا كانت أحداث سبتمبر 2001 تم على إثرها احتلال أفغانستان والعراق فإن صانع القرار الأمريكي سوف يوظف أيضاً أحداث سبتمبر 2012 لرسم خارطة يتم من خلالها إلحاق ليبيا بمرسوم إستراتيجي بعيد المدى من خلال إنشاء قواعد عسكرية أمريكية، وأيضا للناتو في ليبيا تكون مساعدة لتلك القواعد في أفغانستان والعراق، وإنشاء مركز مراقبة متطور لمراقبة شمال أفريقيا وجنوبها، وبذلك تكون أحداث بنغازي مكملة لأحداث نيويورك، وهنا يبرز اختلافنا مع من لا يدرك كيف يفكر صانع السياسة الخارجية الأمريكية سواء أمنيًا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا.