بأي حق يمتلك الإنسان الحق في حرمان أخيه الإنسان من الحياة لمجرد أنه ارتكب جريمة قتل تحت تأثير اضطراب نفسي أو هياج فكري ، وماذا لو كشف الزمن عن خطأ الحكم بالإعدام ، هل يمكن تفادي هذا الخطأ ، وهل يمكن جبر هذا الضرر ؟
وهل من العدل التخلص من الإنسان الذي ارتكب جريمة تحت ضغوط شديدة ، أو قوى قاهرة ، فيتم الحكم عليه بالإعدام ، ونتخلص منه في هدوء وبكل تأني وتؤدة ؟
هذا منطق العقل القاصر ، والتفكيرالضئيل ؛ فالحق أن الجزاء والعقاب كان عند الإنسان أمراً غريزياً ، وليس عند الإنسان وحسب بل وعند كل المخلوقات ، فقد عرفت أمة الغربان العقاب ، فمارست عقوبة الإعدام علي أحدهم إذا ارتكب جريمة الإعتداء علي أنثى غيره ؛ وهو ما يشبه الزنا عند الإنسان ، فيتم إعدامه عن طريق النقر علي رأسه حتي يتمزق إرباً ، ثم يحفر له قبراً ويوضع فيه .
ومن دون الجزاء يجد الإنسان نفسه بين حالين :
إما الإضطرار إلي أخذ حقه بيده إذا كان قوياً ، وهنا تعم الفوضي ، ويسود الإضطراب ، وإما الموت حسرة وقهراً إذا كان ضعيفاً وهنا يملأ الحقد قلبه تجاه المجتمع بأسره .
فلا شك إن الجزاء علاج ووقاية في آن واحد ، حيث يعيد الجزاء التوازن الذي أخلت به الجريمة في المجتمع ، ويخيف ويردع من تسول له نفسه الإقدام إلي ارتكاب الجريمة .
ومن هنا فلا داع إلي التصعب ومصمصة الشفاه عن سماع الحكم علي مجرم قد ارتكب الجريمة بعد تفكر وتدبر ، وقبل أن تأخذ أحدنا الرحمة في مجرم يجب أن نضع أنفسنا موضع ذوي الضحية ، ونستشعر مقدار الألم والجزن إذا أفلت المجرم من العقاب ، بل وأن مجرد التأخير في تنفيذ الجزاء قد ينجم عنه خلل واضطراب مجتمعي شديد .
ويجب إلا تمر واقعة تكليف أفراد من الخارج لا صفة ولا صلة لهم بالقضية- لمحامي داخلي – للدفاع عن قضية داخلية عادية ليس لها أي صدي دولي بدون دراسة ، فما السبب ، وما الهدف ، وما المغزي من الاهتمام بشأن داخلي صرف ؟ ومتي كان تحقيق العدالة أمراً يهم أفراد من الخارج ؟
سيما وإننا نري أن القضية ليس فيها أي معضلة ، حيث سارت في مسارها القانوني الصحيح ، فمن حق النيابة أن توجه الإتهام وترصد العقاب ، ومن حق المتهم أن يدافع عن نفسه ، ويدفع التهمة إلي آخر نفس ، وفي الأخير علي القاضي أن يوازن بين الأدلة فيطبق صحيح القانون .
ولم يتم ذلك دفعة واحدة وفي وقت واحد ، بل أخذ كل طرف حقه من التآني والتؤدة ، حتي ترسخ العدل قائمأ للعيان ، بدون أن تتخلي الدولة عن حقها في العقاب ، وبتأكيد وظيفتها الهامة في فرض وتحقيق العدل والإنصاف ، من غير توجيه من قوى الرأي العام ومؤثراتها .