كان المشرع المصري في السابق ينتهج سياسة علانية تنفيذ عقوبة الإعدام ؛ وذلك لتحقيق الغرض المطلوب من بث الرهبة في نفوس أفراد المجتمع ، وتحقيق الردع العام الذي يمثل أهم هدف من أهداف العقوبة ، وكان المشرع المصري متأثراً في ذلك بمنهج المشرع الفرنسي الذي كان يأخذ بعلانية تنفيذ عقوبة الإعدام ، حيث كان قانون العقوبات الفرنسي القديم ينص في المادة 26 منه علي تنفيذ عقوبة الإعدام في ساحة عمومية ، إلي أن عدل المشرع الفرنسي عن ذلك في قانون العقوبات الجديد الصادر في 1992 ، فتخلي عن عقوبة الإعدام بصورة كاملة ، وتم إلغائها ،فجاء قانون العقوبات الفرنسي خالياً منها .
علانية تنفيذ عقوبة الإعدام
وتبعاً لذلك فإن المشرع المصري عدل عن منهجه في علانية تنفيذ عقوبة الإعدام ؛ بسبب ما وجده من أثار عكسية من تخفيف رهبة العقوبة ، وإضعاف ردعها ، لما تتيحه العلانية من فرصة للمجرمين لاستعراض شجاعتهم ، وإظهار ورباطة جأشهم حال تنفيذ العقوبة .
واستناداً إلي هذه الاعتبارات فقد عدل المشرع المصري ، كما عدلت معظم التشريعات عن سياستها في علنية تنفيذ عقوبة الإعدام ، فأخذت بأسلوب التنفيذ السري للعقوبة داخل غرفة السجن .
فنصت المادة 473 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على إنه :- ” تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن، أو فى مكان آخر مستور ”
كما نصت المادة 65 من قانون السجون المصري علي إنه :- ” تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو فى مكان آخر مستور بناءً على طلب كتابى من النائب العام إلى مدير عام السجون يبين فيه استيفاء الإجراءات التى يتطلبها القانون ”
إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض الدول التي تجيز التنفيذ العلني لعقوبة الإعدام حيث نجد في المملكة المغربية أنه يحق لوزير العدل أن يأمر بتنفيذ حكم الإعدام علناً .
ونري إنه لا يوجد ما يمنع المشرع من أن يتجه إلي الأخذ بعلانية تنفيذ عقوبة الإعدام ، وتنفيذها علي الملأ ، والعودة إلي منهجه السابق في هذا الشأن ، وخاصة فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت بصورة علنية وعلي رؤوس الأشهاد ، وفي وضح النهار ، وصورت للناس كافة .
ومن ثم يكون من عين العدالة تنفيذ عقوبة الإعدام في مكان عام ليتسني لأكبر عدد من الناس حضورها ، فتتحقق بذلك أغراض العقوبة من تحقيق العدالة والردع العام ، والإقتصاص للضحايا من الجناة ، وتماشياً مع الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة .
ويرد علي معارضي ذلك المنهج من أن في تنفيذ العقوبة بصورة علنية عقاب إضافي لذوي المجرم وتعذيب لأهله حال مشاهدتهم تنفيذ العقوبة .
فيرد علي ذلك بإن ذوي الضحية أيضاً سبق لهم وقد عانوا من رؤية ضحيتهم وهي تقتل رؤية مصورة صوتاً وصورة ، ومن ثم يكون من العدل رؤية قاتل ضحيتهم وهو يعدم .
أما القول بأن التنفيذ العلني يضعف الردع المطلوب للعقوبة ، فإن ذلك يرد عليه بإن العقوبة لن يتحقق لها هذا الأثر من الزجر والردع إلا إذا نفذت في الجاني بصورة علنية , ليتحقق ردع غيره عن مجرد التفكير في اقترافها, ويدل علي ذلك تفشي الظواهر الإجرامية المختلفة في المجتمع على نحو لم يعهد من قبل بسبب ستر تنفيذ العقوبة فيمن حكم عليه بها ، وإخفاؤها عن الناس .
أما القول بأن في تنفيذ عقوبة الإعدام بصورة علنية بشاعة وفظاظة لا ينبغي أن يفجع المجتمع بها , وتتنافى مع كرامة الإنسان .
فيرد علي ذلك بإن العقوبة ليست كذلك ولكن الجريمة هي الأمر الفظيع والبشع الذي يتنافي مع كرامة الإنسان ، وما العقوبة إلا رد فعل طبيعي لهذه الجريمة .
تنفيذ العقوبة صورة فريدة
ونري في منهج الشريعة الإسلامية في تنفيذ العقوبة صورة فريدة ، حيث نجد أن تنفذ عقوبة الزنا بصورة علنية و على مرأى ومسمع من الناس, إذ قال الحق سبحانه وتعالي في حق الزناه ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة النور آية 2 , ومعلوم أن صيغة الأمر في الآية للفرضية, وأنه لا يتمكن أحد من مشاهدة العقوبة إلا إذا نفذت بصورة علنية .
وقد كانت كل العقوبات وليس الزنا فقط في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن خلفائه الراشدين تنفذ بصورة علنية , إذ كان يؤتى بشارب الخمر فينفذ فيه الحد علنا, بل وكان يتناوب على تنفيذ الحد كل من حضر من المسلمين توقيع العقوبة عليه ، وكذلك كانت تنفذ عقوبة السرقة , والقتل ، وكل العقوبات ، حيث لم تعرف الشريعة الإسلامية سرية العقوبات .
ومن ثم فلا مانع من انتهاج المشرع لسياسة العلنية في تنفيذ عقوبة الإعدام بضوابط معينة يضعها ، و بمراعاة ظروف الحال التي يقدرها المشرع