المسئولية بوجه عام هي حال أو صفة من يُسأل عن أمر تقع عليه تبعته، فهي الإلتزام بتحّمل الفرد تبعة أفعاله حال مخالفته للقانون ، وحيث أصبح من الممكن أن يرتكب الروبوت العديد من الجرائم حال ممارسته لبعض الأنشطة الطبية من خلال إجراء عملية جراحية ، أو نقل العدوى من خلال نقل دم ملوث، أو الغسيل الكلوي، أو زرع عضو مصاب بفيروس معدٍ، أو الخطأ إثناء العمليات الجراحية ، وكذلك حال قيادته للسيارة أو الطيارة .
فقد وقعنا في أزمة قانونية حين منحت بعض الدولة ، الشخصية القانونية المحدودة للروبوت في تشريعاتها ، فخصصت لها أسم ، ومنحتها الجنسية ، وجعلت لها ذمة مالية مستقلة .
ومن هنا تأتي الدعوة للمشرع للتدخل التشريعي العاجل لمواجهة جرائم تقنيات الذكاء الاصطناعي ، حتي لا يفلت مرتكب هذه الجرائم من العقاب ، ولا يضيع حق الضحايا .
وفي الحقيقة فإنه لا يمكن إنكار قدرات الروبوت ، ولذلك يجب الاعتراف له بالشخصية القانونية المحدودة ؛ لأن لهذه الآلة فهم وإدراك وذكاء اصطناعي مبهر ، وكذلك قدرة علي اتخاذ القرار المنفرد، ومهارة في التصرف الدقيق ، فإذا كان مناط المسئولية الجنائية هي ارتكاب الفعل بعلم وإرادة ، فإن هذا الروبوت يمتلك القدرة علي القيام ببعض الأفعال بعلم وإرادة ، حيث تخزن بداخله البيانات والمعلومات ، ويقوم بتحليلها ويصدر فعله بوعي اصطناعي بناء علي هذه البيانات .
إلا إنه مهما بلغت هذه الآلة من ذكاء اصطناعي ، وفهم مصطنع ، وإدراك مستمد ، فإنه لا يزال النظر إليها علي إنها مجرد أداة أو آلة ، ولا يمكن أن تتحمل بأعباء المسئولية ، فالمسئولية الجنائية لا تثبت إلا للإنسان الطبيعي ، أما الإنسان الآلي Robot لا يمكن أن تثبت بشأنه أي مسئولية ، فالإنسان الآلي مجرد شيئ أو آله ، لا إرادة لها ، ولا يمكنها الاختيار ، وإذا كان أساس المسئولية الجنائية هو الحرية والاختيار، فإنه إذا انتفت لدي الجاني حرية الإرادة ، وانعدمت حرية الاختيار فلا يمكن قيام المسئولية الجنائية تجاهه . فالجريمة ليست كيان مادي فقط يتكون من سلوك ونتيجة ورابطة سببية ، ولكنها كيان نفس أيضاً مضمونه وجود رابطة نفسية تمثل الركن المعنوي للجريمة ، فلا يكفي إلصاق السلوك المادي بالجاني بل يلزم توافر القصد الجنائي ، وهو الرابطة النفسية بين الجاني وبين سلوكه ، وهو ما يمثل الإثم الجنائي .
فإذا قلنا مجازاً أن الروبوت ارتكب الجريمة فإن افتقاده للوعي والإدراك وحرية الإختيار لحظة ارتكاب الجريمة ينفي عنه المسئولية الجنائية ، بالإضافة إلي إنه لا يعد إلا آله منقادة تخضع للأوامر والتعليمات من خلال البرمجة أو الاستخدام ، ولذلك يجب ضم أشخاص آخرين كفاعلين لهذه الجرائم ، وهما المبرمج ، والمستخدم إلي جانب الروبوت ذاته .
ومن جهة آخري فإذا كان الجزاء الجنائي لا بد وأن يمس الجاني في بدنه أو حريته أو ماله أو شرفه أو اعتباره ، ومن ثم فإن الحكم علي الروبوت بالعقوبة عند ارتكابه الجريمة يُعد عبثاً ، فهذه العقوبات لا تؤتي ثمارها إلا مع الإنسان الطبيعي الذي يشعر ويتألم .
فيستعصي من الوجهة الواقعية تطبيق أي عقوبة من العقوبات الجنائية المعروفة علي الروبوت ، سواء الماسة بالبدن كالإعدام، أو المقيدة للحرية كالسجن أو الحبس ، أو الماسة بأموال المحكوم عليه كالغرامة أو المصادرة ، أو المتعلقة بالشرف أو الاعتبار.
ففي الحقيقة فإن جرائم الروبوت تقع ممن يسخر هذا الريبوت ويكون في يده زمام أمورها ، فالروبوت ما هو إلا أداة يستعين بها الفاعل في تحقيق أفعاله ، فيكون هذا الفاعل هو مرتكب الجريمة بواسطة غيره .
ومن هنا يجب التدخل الفوري لمواجهة جرائم الروبوت بسن التشريعات التي تواكب هذه التطورات ، وتوسيع مفهوم المسئولية الجنائية لتشمل كل أطراف جرائم تقينات الذكاء الاصطناعي ، فتشمل المبرمج والمستخدم والروبوت ذاته ،وفقاً للمستجدات في هذا الأمر .