ما يثير الدهشة ويلفت النظر تزايد ظاهرة التجرؤ علي ارتكاب الجريمة في وضح النهار وأمام الناس ، وبصورة تنبأ بزيادة التوحش الأدمي ، وتنم عما وصلت إليه الخطورة الإجرامية في نفوس الأفراد ، وعلي وجه الخصوص الشباب المثقف .
فتكشف نوعية جرائمهم عن الاستهانة بالقيم ، وعدم اللامبالاة بالقانون ، وانحراف التفكير، ورعونة فى التخطيط، وخطورة فى السلوك، وحدة فى التبرير .
ولعل ذلك كان بسبب مجموعة من المكتسبات المستمدة من الأوساط المحيطة بهذه الفئات ، وبقدر تأثرهم بها و بحسب انخراطهم فيها ، ليجدوا أنفسهم في النهاية منغمسين في أبشع الجرائم وأكثرها خطورة ، وهم عاجزين عن مقاومة المؤثرات والمتغيرات العنيفة التي تحيط بهم .
وما يثر الدهشة هو ما تتسم به جرائم الشباب المثقف من قسوة ووحشية في تنفيذها ، ما يثير الصدمة لدي مشاهديها ، وهو ما يعطي بعض الدلالات في هذه الجرائم ، ومن أهم هذه الدلالات :غياب الوازع ، وانعدام الرادع ، وغياب الحماية المجتمعية ، بسبب ما أصاب المجتمعات من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتكنولوجية في السنوات الأخيرة والتي ساهمت فى زيادة العنف فى المجتمع من بينها ضغوط حياتية، وتفكك أسرى وانهيار الوازع الديني والأخلاقي والتفسخ الاجتماعي، وهو الأمر الذى جعل هناك قدراً كبيراً من تخبط الأفكار واختلاط الفهم الخاطئ بما كان عليه المجتمع من عادات وتقاليد ، الأمر الذى يجعل لبعض الموتورين أن يروا أن اللجوء إلى العنف نوع من أنواع التعبير والخلاص من هذه التأثيرات.
ومن هذه المؤثرات انتشار أفلام العنف والإثارة وإظهار بطولة البلطجي وانتصار الشر على الخير، وكذلك انتشار تلك النماذج التافهة من المشاهير يعطى صورة ذهنية للشباب أن ذلك هو الأسلوب الأمثل للحصول على الآمال والطموحات .
بالإضافة الى نقطة فى غاية الأهمية، وهى أن هذه الأفلام و المشاهد تقدم حلولا ابتكارية للجريمة قد تجعل من يتأثر بها يعتقد أن القتل شيء عادى، ويرتكبه بأعصاب باردة لأنه شاهده من قبل آلاف المرات .
ومن ثم فتبرز الحلول لهذه الظاهرة فيما يلي :
أولاً : العدالة الناجزة ، فلا شك أن في سرعة الحكم علي الجاني راحة للمجتمع ككل ، ولأهل الضحايا علي وجه الخصوص ، فلاشك أن التأخر في انجاز العدالة يسبب شعور الناس بالظلم، مما يدفعهم إلى الحقد على غيرهم وعدمهم احترام للنظام والقانون في المجتمع، ويكون ذلك سبباً قوياً لانهيار النظام والأمن في أي دولة.
ثانياً : ضرورة إعلاء قيمة الردع و الاهتمام بالإعلان العقابى، فمع كل الأسف فإن كافة أبواق الإعلام تحرص دوما دون فهم على التركيز بخبر الجريمة، دون الاهتمام الواجب بخبر العقوبة، والتى فى كثير من الحالات أمام الجهل القانونى، يعتقد البعض فى خضم التفكير بارتكاب جريمته بأنه قد ينجح فى الإفلات من العقاب، أو يوقع عليه عقاب يستهين به، بل وقد يستمرؤه، ويروج له.
ثالثاً : جدية التعامل بحزم مع المخدرات، والمؤثرات العقلية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، والمنتشرة، بقدرة تلك المواد على إراحة الجسم، وتحسين المزاج، وتقوية القدرة، وتبديد القلق، وتعظيم النشوة، وتجديد الطاقة، وترشيد الفكر، وهى كلها مفاهيم يتزايد قدر الاقتناع بها، ويتعاظم قدر الانجذاب إليها، لأسباب عدة يأتى فى مقدمتها الجهل التعليمى، والثقافي ، ولا نستطيع أن نغفل أن تفشى ظاهرة إدمان المخدرات لها دور كبير في هذه الجرائم ، فالإحصائيات تكشف أن هناك 21 مليون متعاط ومتعامل مع المخدرات فى مصر، وفى هذه الحالات يتعرض الشخص لحالة من الغيبوبة الحسية والضلالات، ويوجد شخص منفصل عن الواقع، وقد يقتل بدم بارد بكل سهولة .
رابعاً : يلزم التدخل القانوني الذي يؤدي إلي تحقيق العدالة ، عن طريق تنقية القوانين و سد الثغرات التي يستخدمها الجاني ، ويتلاعب بها للمماطلة في الدعوي الجنائية تأخر الحكم فيها ، وكذلك النفاذ من العقوبة بسبب هذه الثغرات .
خامساً : إعلاء قيمة الحماية المجتمعية ، والاحتفاء بالمواطنين الذين يدافعون عن القيم ويحمون المتعدي عليهم في الشوارع ، فهؤلاء هم بالطبع أقرب من الحماية الرسمية للضحايا ، بحكم ملاصقتهم وقربهم للأحداث ، لذلك يلزم تضييق عزوف المواطنين للقيام بالدور المأمول في منع الجريمة بالتعرض للجناة للحيلولة دون إتمامهم لأفعالهم من ناحية، وإما بامتناعهم عن أداء الشهادة الواجبة لكل منهم خوفا على حياتهم من ناحية أخرى، فضلا عما قد تفرضه الشهامة على كل منهم، وحسن أداء واجبه القانونى، من تبعات، ومردودات، قد تنال من أمنه، أو تبدد من أمانه، ولو من منظوره الشخصى، ومن ثم يفضل أن يؤثر على نفسه السلامة والأنانية، والسلبية السلوكية، على غيرها من باقى القيم الأخلاقية والقانونية التى توجب عليه الإيجابية، وتفرض عليه القدر الواجب من الاحترام للإنسانية.
سادساً : ولا ننسي الدور الهام للإعلام الذي يلعب دورا هاما في توجيه الرأي العام وتوعيته والتنبيه إلى مخاطر الجريمة والتحدث عنها ، فبإمكانه أن يلعب دورا مهما في منع الجريمة والتقليل من انتشارها .