ساعي البريد ، حامل المراسيل بين الأحباب ، مضي وولي ولن يُعد مرة آخري ، فقد فنيت وظيفته ولم يبق لها وجود ، فلن يدق الباب ثانية .
وصراف المرتبات الذي كان يفرح الموظفين بطلعته في نهاية كل شهر ، الله يرحم أيامه ، ما عاد يأتي بالنقود وراح وراح معه زمانه .
وسيأتي اليوم الذي ستنتهي فيه كثير من الوظائف والمهن مثلما انتهت وظائف المشعلجي والعطشجي والسقا والمسحراتي ، فقد اختفت هذه المهن والوظائف من الوجود ، ولم يعد لها وجود ، بعد أن حلت محلها التكنولوجيا في إنارة الشوارع وتمويل القطارات بالوقود، وإمداد البيوت بالماء، وتنبيه النائمين وإيقاظهم .
وفي الطريق إلي الأفول سنري اختفاء سائق التاكسي حيث غزو السيارات ذاتية القيادة ، واختفاء الداية حيث الطبيب والجراح الروبوت .
فقد أصبح التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي يهيمنان علي الحياة بصورة ظاهرة، فباتا يحيطان بالإنسان من كل جانب، منذ تسجيل بياناته وإشهاد ميلاده ووفاته في الأحوال المدنية، وتعاملاته التجارية وعقوده الالكترونية، وتوقيعه الإلكتروني علي المحررات والمستندات الالكترونية، وكذلك في تعاملاته البنكية والمصرفية وتحويل الأموال وسحبها وإيداعها، وكذلك في مخالفاته المرورية، وخدمات العدالة والإثبات وحتي في تنفيذ عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة بالسوار الإلكتروني.
فما من شيء حولنا وإلا وقد دخل فيه التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي بداية من الثلاجات والتكييفات والمراوح والموبايلات وشاشات التلفاز ، مرورا بالسيارات والطيارات والروبوتات .
فليستعد من لا يقدر علي مجاراة التحول الرقمي لحلول الآلة الذكية محله .
وباختصار فإن الذي نحن فيه ليس تطور للإنسان ، ولكنه تطور وتقدم وتهجم للآلة ، فإذا بقي الإنسان محلك سر ولم يتطور ولم يتقدم علي قدر تطور الآلة ، فإن الآلة ستزيحه من أمام طريقها ، وتركنه علي جنب .
وفي هذا الكتاب سنعرض لأثر التحول الرقمي علي السياسة الجنائية والتشريع الجنائي.
لعله يكون نافعا للباحثين في هذا المجال
ونسأل الله تعالي أن يكون في ميزان حسناتنا…