أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي كالغابات المظلمة التي تموج بالغموض والخداع ، ويرجع ذلك إلي أن الكثير مما يستخدم هذه المواقع لا يظهر بشخصيته الحقيقية ، ولكنه يصطع لنفسه شخصية وهمية يظهر بها ، فهل جّرم القانون هذا السلوك ، وما هي مخاطر إنشاء حسابات مزيفة علي الفيس بوك ، وكيف عالج المشرع هذه السلوكيات المشينة .
وفي البداية نشير إلي أن المادة 24 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 قد نصت علي أنه :- ” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 30 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من اصطنع بريدا إلكترونيا أو موقعا أو حاسبا خاصا ونسبه زورا لشخص طبيعى أو اعتبارى .
فإذا استخدم الجانى البريد أو الموقع أو الحساب الخاص المصطنع فى أمر يسئ إلى من نسب إليه، تكون العقوبة الحبس الذى لا تقل مدته عن سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين .
وإذا وقعت الجريمة على أحد الأشخاص الاعتبارية العامة فتكون العقوبة السجن والغرامة التى لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه ” .
مخاطر إنشاء حسابات ومواقع مزيفة :
=======================
يلاحظ أن هذه المادة تعالج السلوكيات التي تتعلق باستخدام الحسابات المزيفة التي تستخدم أسماء مُستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونظراً للمخاطر التي تنتجها هذه السلوكيات المتعلقة بإنشاء وإدارة هذه الحسابات فقد حرص المشرع علي مواجهتها بالنص السابق .
فقد تزعزع هذه السلوكيات الثقة بين الأفراد بعضهم البعض من جهة ، والأفراد والجهات الإدارية والأشخاص الاعتبارية من جهة آخري ، كما أن هذه التصرفات تمثل اعتداء صارخ علي خصوصية المتعاملين في هذه الشبكات الالكترونية بالاحتيال والخداع .
ولقد استخدم المُشرِّع عند صياغة نص المادة 24 سالفة الذكر مُصطلح “اصطناع المواقع والحسابات” وهو مصطلح يشير إلي عملية إنشاء حساب بالكامل على غير الحقيقة، وليس مجرد إجراء تعديل أو تحريف على حساب قائم أو تشابه قد يحدث من قبيل المُصادفة، وتقترب طبيعة جريمة اصطناع المواقع والحسابات في بعض الأوجه من جرائم انتحال الشخصية، وإن اختلفت في الطريقة التي يحددها القانون لوقوع الجريمة وشروط تحققها.
ويلاحظ أن جريمة اصطناع موقع أو حساب علي الفيس بوك ونسبته زورا إلي شخص طبيعي أو اعتباري تقوم بمجرد إنشاء هذا الحساب حتي وإن لم يقم الجاني باستخدامه ، وهنا تقوم الجريمة في صورتها البسيطة ، حيث تتم الجريمة باصطناع أو إنشاء حساب بالكامل ، فلا ينطبق ذلك علي مجرد التعديل أو التحريف لحساب قائم بالفعل ، أو مجرد تشابهه مع هذا الحساب .
ثم يقوم الجاني بنسبة هذا الحساب المصطنع زورًا إلى شخص طبيعي أو شخص اعتباري .
، ويقصد بالشخص الطبيعي أحد الأفراد العاديين، كما يُقصد بالشخص الاعتباري كافة الجهات الحكومية والجهات الرسمية التابعة للدولة مثل الوزارات والهيئات العامة والمُحافظات وما في حكمها.
ولا يشترط بعد ذلك لقيام الجريمة في صورتها البسيطة أن يقوم الجاني باستخدام هذا الحساب فعلياً للإضرار أو الإساءة لأي شخص .
ولقد شدد المشرع العقاب علي الجريمة في صورتها المشددة التي تقوم في حالتين وهما، أن يتم استخدام الموقع أو البريد الإلكتروني أو الحساب الخاص المصطنع في أمر يسيء إلى من نُسب إليه من الأشخاص الطبيعيين ، والإساءة لا يُشترط لتحققها حدوث ضرر، لذلك يخضع مفهوم الإساءة هنا لتقدير جهات التحقيق والتقاضي، والتي سوف يرتبط تقديرها بالسياقات التي تم من خلالها استخدام الحساب المُصطنع، ونشر المحتوى المسيء.
أما الحالة الثانية التي تتعلق بتشديد العقاب، فتتمثل في اصطناع موقع أو بريد إلكتروني أو حساب خاص وتتم نسبته زورًا إلى أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، وتشديد الجريمة في صورتيها يترتب عليه عقوبة مُغلَّظة، تصل في الصورة المُشدَّدَة الأولى إلى الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي الصورة المُشددة الثانية تكون العقوبة السجن، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه.
الهدف من تجريم إنشاء حسابات مزيفة :
==============
يهدف النص إلي حماية مصلحة اجتماعية هامة وهي حماية الأفراد من الزيف والخداع الذي يحدث في الشبكات الالكترونية المظلمة ، ومنع التعامل مع أشخاص طبيعية أو اعتبارية مزيفة وعلى خلاف الحقيقة .
كما يهدف النص إلي تشديد العقاب علي من يصطنع حسابات باسم أشخاص طبيعيين أو اعتباريين ثم يستخدمها في الاساءة للغير ، وذلك حماية للأفراد وتوطيد ثقة الجمهور فيما يُنسب إلى الجهات الحكومية من أخبار ومعلومات وبيانات .
إشكالية تطبيق نص تجريم إنشاء الحسابات المزيفة :
==================
يتلاحظ فيما يتعلق بصياغة النص أن الجريمة تقوم بمجرد إنشاء الحساب المزيف ، وهذه الصياغة تثير إشكاليات عديدة ، منها أن مجرد إنشاء الحساب أو الموقع المزيف لا يترتب عليه أي أثر إجرامي ، ومن ثم فكيف يتم تحريك الدعوي المتعلقة بها ، ولا يمكن اعتبار هذه الجريمة جريمة شكلية تسبب حالة خطرة بمجرد ارتكاب سلوكها المادي ، فلا يوجد حالة خطرة من اصطناع حساب
مزيف حتي ولو تم اكتشافه ، طالما لم يتم استخدام ها الحساب المزيف .
ولكن الجريمة تقوم بالفعل بمجرد استخدام هذا الحساب أو الموقع المزيف .
كما أن النص لم يبين مفهوم الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يمكن نسبة الحساب إليه ، وهل تقوم الجريمة بنسبة الحساب إلي شخصية ميتة ، أو زعيم عالمي ، أو فنان مشهور ، وما الموقف من إنشاء حساب مزيف بدون نسبته إلي أحد .
ولقد ظهرت هذه الإشكاليات عند تطبيق نص المادة 24 من قانون مكافحة تقنية المعلومات حيث تم توجيه الاتهامات من قبل النيابة العامة في أحد الوقائع إلى أحد المستخدمين تهمة اصطناع حساب على موقع فيسبوك، حيث قام بإنشاء حساب باسم الشهرة الخاص به ، وهو ما اعتبرته النيابة العامة، اصطناع حساب ونسبه إلى شخص طبيعي بالرغم من أن الجاني يستخدم اسم شهرته .
الدعوة لتعديل نص تجريم إنشاء الحسابات المزيفة :
==================
ندعو المشرع إلي تعديل صياغة النص وضبطها ، ليبين القصد الجنائي من مجرد إنشاء الموقع أو الحساب المزيف حتي يكون مبرراً للعقاب .
كما يجب أن يشترط النص بشكل واضح أن يُنسب الحساب المزيف إلى شخص طبيعي أو اعتباري قائم بالفعل وليس شخصية مشهورة أو وهمية لا وجود لها ، فالأمر لا يتعلق بمجرد استخدام حساب مُزيف، والدليل على ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 24 تحدثت عن تشديد العقاب في حالة استخدام الحساب في أمر يُسيء إلى من نُسب إليه، وهذا يتعارض مع فكرة أن يُطبق نص المادة على الحسابات المُزيفة والتي قد تحمل أسماء وهمية أو أحد أسماء الشهرة، لأن بهذا المعنى قد يُحاكم المُستخدم لأنه أساء إلى نفسه، أو إلى أحد الأشخاص غير المُعينين على وجه التحديد.