ماذا لو كان العالم بدون إنترنت ؟ هل كنا سنعاني من هذا الطوفان الإجرامي الغزير من الجرائم الإلكترونية التي لا تقوم إلا في ظل الأجهزة التكنولوجية التي لا تعمل إلا في وجود شبكات الإنترنت التي أصبحت مسرحاً للعديد من الجرائم الماسة بالأشخاص والأموال والآداب العامة والأمن القومي ؟
فالكثير من المجرمين استخدموا الإنترنت في الاعتداء علي حياة الأطفال والشباب من خلال الألعاب الإلكترونية القاتلة ، واعتدوا علي الأموال بالنصب والاحتيال ، واعتدوا علي الأمن القومي ببث الأخبار الكاذبة ونشر الشائعات ، ونشر الأفكار المتطرفة ، وكذلك استخدموا الإنترنت في المساس بالآداب العامة وانتهاك الخصوصية ، والتعدي علي حقوق الملكية الفكرية بالسطو علي الأفكار والنتاج الفكري.
كل هذه الجرائم التي تهدد مصالح إنسانية عديدة تقع من خلال الإنترنت الذي يُعد بالنسبة للجرائم الإلكترونية شرطاً لازماً وضرورياً حتي نقول إننا أمام جريمة إلكترونية ، وهو ما يعرف في اصطلاحات القانون الجنائي بالشرط المفترض .
وهذا الشرط المفترض كان له انعكاساته علي الإجراءات الجنائية المتعلقة بالجريمة الإلكترونية من حيث الضبط والتحري وملاحقة مرتكب هذه الجريمة وإثبات أدلتها والاختصاص بنظر الدعوي الجنائية المتعلقة بها ، فلا شك أنه كان لمفترضات الجريمة الإلكترونية صدي علي القواعد الإجرائية المتعلقة بالجريمة الإلكترونية .
ومفترضات الجريمة بوجه عام هي شروط ينبغي قيامها في وقت سابق أو معاصر لارتكاب السلوك الخاص بالجريمة ، ويترتب على تخلفها ألا تتحقق هذه الجريمة أو أن تتحقق بوصف قانوني آخر، ويمكن القول أن الخصائص المشتركة للمفترضات سواء أطلق عليها شرط أو ركن أو عنصر أو غير ذلك، هي أنها عناصر ضرورية ولازمة لوجود الواقعة المكونة للجريمة.
وإذا كانت الجريمة الإلكترونية هي كل فعل مخالف للقانون يرتكب بواسطة الحاسب الآلي من خلال شبكة الإنترنت أو أي مكون من مكونات الإنترنت كالمواقع الإلكترونية أو الشبكات المعلوماتية ، وهي تتطلب فيمن يرتكبها إلماماً خاصاً بتقنيات الحاسب الآلي ونظم المعلومات ، ويكون له القدرة علي الوصول للمعلومات والبيانات ومعالجتها إلكترونياً .
وهذا التعريف المختصر للجريمة الإلكترونية ينبأ عن شرطين مفترضين لقيامها ، أولهما : توافر البيئة الإلكترونية من خلال شبكة الإنترنت ، وثانيهما : صفة الفاعل في بعض الجرائم المتعلقة بمقدمي الخدمة من مديري المواقع والذين تقع معظم الجرائم الإلكترونية من خلال أفعالهم سواء العمدية منها أو غير العمدية .
وهذين الشرطين المفترضين للجريمة الإلكترونية ينعكسان بعمق علي الوضع الإجرائي للقواعد التي تحكم هذه الجريمة من حيث وسائل ضبطها ،ووسائل إثباتها ،وكذلك التحري والملاحقة لمرتكبها ، وكذلك المحكمة المختصة بنظر الدعوي الجنائية المتعلقة بها .
أما عن البيئة الإلكترونية فتتمثل في توافر الإنترنت ،وتعرف شبكة الإنترنت بأنها شبكة عالمية مؤلفة من أعداد كثيرة من الشبكات المرتبطة بأجهزة الكومبيوتر الموزعة في أنحاء العالم ، ومن ثم تتصل هذه الأجهزة فيما بينها بواسطة الخطوط الهاتفية أو الأقمار الصناعية ، وتتيح هذه الشبكة لمستعمليها إمكانية التواصل والتفاعل وتبادل المحتويات في مختلف المجالات .
من نافلة القول البيئة الرقمية والاتصال بالإنترنت يتطلب ضرورة توافر عناصر أخري حتي يكون لها فاعلية ، ومن أهمها الأجهزة الحديثة المتمثلة في الهاتف المحمول أو الهاتف المزود بكاميرا و أجهزة الكومبيوتر المكتبي و أجهزة التلفزيون الذكية و الكاميرات الذكية و أجهزة الراديو و الألعاب الإلكترونية و الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء مثل النظارات والساعات والأساور الرقمية و السماعات الملحقة بالهواتف وغيرها من الأجهزة سواء أكانت هذه السماعات سلكية أم لا سلكية .
وبعض هذه الأجهزة بها إمكانية التنصت على الشخص أو الغير ، كما أن بعضها يمكنه كذلك معرفة الحالة الصحية والمزاجية للشخص، وتمكن هذه الأجهزة الأشخاص من تبادل الرسائل فيما بينهم ، أو تخزين أو عرض أو استقبال معلومات بينهم، فعلى سبيل المثال فإن عصا الألعاب الإلكترونية يمكن من خلالها تبادل رسائل مشفرة بين الجناة .
وهناك كذلك أنواع متخصصة من الأجهزة المحمولة، مثل مشغل الموسيقى الرقمى وقارئ الكتب الإلكترونية، والتي تمتلك تقنية لا سلكية تمكنها من تحميل قدر كبير من البيانات من كومبيوتر مركزى.
وقد تزايد استعمال هذه الأجهزة من المنظمات والهيئات كمكونات للبنية التحتية المعلوماتية ، وهذه الأجهزة تحتوى على أدلة إلكترونية، وذلك على الرغم من أن المعلومات التي يمكن الحصول عليها منها تختلف من حالة إلى أخرى .