تخبرنا آيات القصة من سورة الكهف عن وجود رجلين في زمن ما كان بينهما صلة وصحبة، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وككثير من القصص القرأني تكون العبرة والعظة هي الغرض لذا فقد أَبهمت الآيات تحديد زمانهما ومكانهما وقومهما، فلا نعرف مَن هما، ولا أين عاشا، ولا في أي زمان وُجِدا.
ابتلى الله الرجل َ المؤمن بضيق ذات اليد، وقلة الرزق والمال والمتاع، لكنه أنعم عليه بأعظم نعمة، وهي نعمة الإيمان واليقين والرضا بقدر الله وابتغاء ما عند الله، وهي نعم تفوق المال والمتاع الزائل أما صاحبه الكافر فقد ابتلاه الله بأن بسط له الرزق، ووسع عليه في الدنيا، وآتاه الكثير من المال والمتاع، ليبلوه هل يشكر أم يكفر؟ وهل يطغى أم يتواضع؟
جعل الله لذلك الكافر جنتين والمراد بالجنة هو البستان أو “المزرعة”، أي إنه كان يملك مزرعتين من نخيل وأعناب وكثير من الثمرات محاطه بالنخل ويمر خلالهما نهر وقد وصفتها الايات وصفا جميلا دقيقا أذ يقول الله تعالي (واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) .
أُعجِبب الرجل الكافر بما رزقه الله من الجنتين وافتخر بمزرعتيه واعتز بهما ونسي من وهبه كل تلك النعم ودخلهما وهو ظالم لنفسِه، متكبر على الآخرين، وقال: إنهما مزرعتان دائمتان لن تبيدا أبدا، وأنا أغنى الناس وأسعدهم بهما، وهما كل شيء، وليس هناك بعث ولا آخرة ولا جنة غير هاتين الجنتين ولاحظ صاحبه المؤمن الفقير الصابر غروره وبطرَه، فذكره بالله، ودعاه إلى الإيمان بالله وشكره، والاعتماد عليه وليس على مزرعتيه، ودعاه إلى أن يقول: {مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [الكهف: 39]، وحذَّره مِن عاصفة أو صاعقة تأتي عليهما وتحرقهما.
ولكن الكافرَ المغرور أسكرته نشوة التملُّك، فرفض كلام وتحذير وتوجيه صاحبه المؤمن، وزاد اعتزازه بمزرعتيه واعتماده عليهما، وحصل ما حذره منه صاحبه المؤمن، فأرسل الله على مزرعتيه صاعقة، فأحرقتهما!! أحرقت العنب والنخل والزرع، وقضت على الشجر والزرع والثمر، ولم يبق مِن المزرعتين شيء فإذا بهما فانيتان بائدتان، فأسقط في يديه، وشعر بالندم وأيقن بالخسارة، وتمنى لو استجاب لنصح صاحبه المؤمن، ولكن بعد فوات الأوان!
وعلّق القرآن على هذه القصة، فقال في الآية الأخيرة: {هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44].
موضوعات متعلقة