مصر الدولة الاقدم على وجه البسيطة، والاعرق تاريخياً، صاحبة أعظم حضارة عرفتها البشرية، مرت عليها عصور نهضة واضمحلال، واحتلت منذ فجر التاريخ، سبقت العالم في مختلف المجالات وتخلفت عن النهضة الحديثة، جمعت مختلف الاعراق والثقافات ولم تتغير هويتها كل ذلك وأكثر الا انها لم تعرف معنى الاعلام ولا دوره.
للأسف وبكل حسرة اقولها و”انا المتيم بصاحبة الجلالة، العاشق لامتهانها، المتفاخر بالانتساب اليها، المقُدس لميثاقها” مصر لم يمر عليها الاعلام، ولم تتذوق حلاوته، ولم تقدر اهميته بالرغم من ان “حريفة وصنايعية” وشيوخ الاعلام من مصر وتعلموا في مصر ولو ذكرنا الاسماء لن يكفينا ألف مقالاً ومقال.
ما عرفته مصر ابعد ما يكون عن الاعلام بشقيه المرئي والمسموع خصوصاً في الآونة الأخيرة.
وبالرغم من جهود الدولة ومساعيها لنهضته الا انا ملوك الشاشات واصحاب “الاقلام الخناجر” سريعاً ما يهيمنوا على المشهد ويخربوا كل محاولة اصلاح ويسود مذهبهم في التملق والتزلف، والحق يقال وانا من تدربت في اعرق مؤسسة صحفية في الشرق الاوسط “الاهرام” لا يوجد قرار او توجيه بذلك النهج وانما هو في الغالب سلوك شخصي.
وما لدينا منذ ثورة ١٩٥٢ وما شاهدناه وعرفناه اما أعلاما موالياً او مغرضاً اعلام مع او ضد. وعلينا ان لا ننسى ان في الحقبة الاخيرة من الزمن وفي ظل الانفتاح العالمي ووسائل الاتصال الاجتماعي معركة الوعي احتدمت وبات الكل ينتقد الاعلام والاعلاميين، ولم يعد عصر غياب الوعي مسيطراً ونحن في حضرة العم “جوجل” الذي سريعاً وبضغطة زر يجمع كل اقوال واراء اي نجم ويكشف اي متناقض ويفضح كل افاق.
دور الاعلام لا يقل اهمية ولا قيمة عن دور المُعلم، والطبيب، والمهندس وحراس الوطن، الاعلام دوره بناء الوعي وعكس الواقع، ونقد الخطأ، ومحاربة الفساد، وكشف الحقائق، كما ان الاعلام يشيد بالانجازات ويدفع للمزيد، الاعلام هو صوت الحق، وصوت الشعب، ونبض الشارع، وعين المسؤول في دائرة مسؤوليته، الاعلام واجب ان يكون المروج للقرارات الصائبة والمهاجم الشرس للقرارات الخاطئة، الاعلام يسقط حكومات ويهز عروش في بلاد من سبقونا بسنين ضوئية في العلم والمعرفة وطريق المستقبل، هو المرآة التي تعكس كل شئ واي شئ ونحن لا يوجد لدينا شئ من ما سبق. اتمنى ان لا يكون اصحاب القرار لدينا ممن ينطبق عليهم المثل القائل “عدوه من نصحه”، وان يدركوا ان “الصديق من يصدقك”، ويعلموا ويعملوا بقول “يا بخت من بكاني وبكي عليه ولا ضحكني وضحك الناس عليه”، وعلينا مراجعة مجالسنا ومن فيها من الاعلاميين والبحث عنهم في مجالس السابقين، وكشفهم وفضحهم لانه لا يوجد رجال كل العصور الا عندنا.
وأخيراً اصلاح الاعلام وتطهيره لا يقل أهمية عن اصلاح التعليم واولى خطوات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.