حوار: أسامة سيد
حاور موقع أوان مصر الشيخ الدكتور أيمن سامي الملط، أستاذ الفقه المقارن، والمدرس بجامعة الأزهر، وسابقًا بجامعة عجمان، بدولة الإمارات العربية المتحدة:
نص الحوار:
◾ فضيلة الدكتور حدثنا عن فضل الأيام التي نحن فيها الآن؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد:
نعيش هذه الأيام أيامًا مباركة، بدأناها منذ دخول شهر رجب، وهو من الأشهر الحُرم، حيث يقول الله عز وجل في سورة التوبة:
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” سورة التوبة 36.
فبين الله تبارك وتعالى أن السنة اثنى عشر شهرًا، منها أربعة حُرم،
بينها النبي ـ ﷺ ـ كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض منها أربعة حُرم، ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جُمادى، وشعبان.
ثلاثة متوالية: ذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم،
وشهر واحدُ فرد، وهو شهر رجب.
وأما شهر شعبان،
فإن النبي ـ ﷺ ـ قد صح عنه كما في الصحيحين من حديث أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله ـ ﷺ ـ يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيتُ رسول الله ـ ﷺ ـ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان. رواه الشيخان البخاري، ومسلم في صحيحهما.
قال الإمام ابن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباري، وهو يشرح هذا الحديث: وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان.
إذن فشهر شعبان هو محلٌ لصيام النافلة والتطوع، وفيه فضلٌ وأجرٌ، وهو اتباع النبي محمد ـ ﷺ ـ في هديه وسُنته ـ ﷺ ـ ، وقد كان ـ ﷺ ـ يكثر من الصيام في شعبان حتى قالت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يكن النبي ـ ﷺ ـ يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وهذه رواية البخاري، وأما رواية مسلم: ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلًا.
وهذا دليلٌ على كثرة صيام النبي ـ ﷺ ـ في شعبان حتى كاد يكون قد صامه كله قال الإمام ابن المبارك في شرح هذا الحديث، وصوب هذا القول الإمام ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرحه لصحيح البخاري، وأن رواية مسلم: يصوم شعبان إلا قليلًا هي شارحة لرواية البخاري: كان يصوم شعبان كله.
وفي شهر شعبان تُرفع الأعمال إلى الله تبارك وتعالى، فكان النبي محمد ـ ﷺ ـ يُحب أن يُرفع عمله وهو صائم.
عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. أخرجه أحمد في مسنده 5 / 201 ، النسائي في سننه، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب برقم 1022.
◾ هل ليلة النصف من شعبان لها ميزة عن غيرها من الليالي والأيام؟
الجواب نعم بكل تأكيد، فليلة النصف من شعبان ليلة شريفة ورد في فضلها أحاديث صحاحٍ، وحسان عن النبي بن عدنان ـ ﷺ ـ ، وإن كان هناك أحاديث ضعيفة في فضلها، فإن هذا الضعيف لا ينفي ورود الحسن، والصحيح، ومنه:
◾ حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن. رواه الإمام ابن ماجة في سننه، وحسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 1144 .
◾ حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لاثنين مشاحن، وقاتل نفس. رواه أحمد في مسنده، وصححه العلامة أحمد شاكر – رحمه الله – .
◾ حديث أبي ثعلبة عن النبي ـ ﷺ ـ : إذا كانت ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى جميع خلقه، فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه. أخرجه الطبراني وغيره، قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره، وقال في صحيح الجامع: حسن.
◾ ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي ـ ﷺ ـ : يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن. رواه الإمام ابن حبان في صحيحه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وبهذا يتبين لنا أن من المعاصرين من صحح الحديث، وهما:
◾ الشيخ الألباني،
◾ والشيخ أحمد شاكر،
وقد صححه قبلهما:
◾الإمام المنذري في الترغيب والترهيب.
فقد قال عنه في الترغيب من رواية معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ التي هي في صحيح ابن حبان: إسناده صحيح، أو حسن، أو ما قاربهما
ولا يغتر بعض طلبة العلم، بتضعيف الإمام المنذري للحديث، لأنه ضعفه من رواية أخرى، فقد قال عنه من رواية علي ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : لا يتطرق إليه احتمال التحسين، ومن رواية ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : إسناده لين.
◾ وقد حسنه الإمام ابن حجر العسقلاني في الأمالي إن كان من رواية القاسم عن عمه.
◾ وحكم عليه الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد بأن رجاله ثقات.
◾ وصححه الإمام ابن خزيمة في مقدمة كتابه التوحيد.
◾ وحكم عليه الحاكم في شعب الإيمان بأنه مرسل محفوظ .
◾ وكذا حكم عليه البيهقي في شعب الإيمان بأنه مرسل
ثم قال : له شواهد.
◾ وقد حسنه الإمام السيوطي في الجامع الصغير من حديث عائشة رضي الله عنها في تتمة باب حرف الألف، وإن كان قد ضعفه من حديث أبي موسى الأشعري.
◾ قال الشيخ ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص 302 :
وليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنّها مفضلة إلى أن قال :
لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم من أصحابنا، وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يُصدق ذلك من آثار السلف، وقد رُوي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وُضِعَ فيها أشياء أخر. ا. هـ كلامه ـ رحمه الله ـ.
قلتُ: هذا هو الذي أقوله: إن كان هناك موضوعًا من الأحاديث في فضلها، فإنه لا ينفي ما قد صح.
دل ما سبق من أحاديث صحيحة، أو حسنه: أن ليلة النصف من شعبان يغفر الله فيها لعددٍ كبيرٍ من أهل الأرض، إلا ما استثناه النص النبوي،
وهذه المغفرة هي محضُ فضلٍ، ومنة، وكرمٍ من الله تبارك وتعالى، وليست بعملٍ خاصٍ في تلك الليلة، فلا بدع، ولا خرفات، بل محض كرم الله أنه يغفر لأنقياء القلوب في تلك الليلة.
◾ متى تبدأ ليلة النصف من شعبان؟!
تبدأ ليلة النصف من شعبان، بغروب شمس يوم 14 من شعبان.
وفي هذا العام يكون يوم 14 من شعبان يوم السبت، الموافق: 27 / 3 / 2021 م
فإذا أذن المغرب يوم السبت، فقد بدأت ليلة النصف من شعبان، حتى يؤذن فجر يوم الأحد.
◾ هل يلزم إحياء ليلة النصف من شعبان حتى نحصل على فضلها، وثوابها؟
لا يلزم إحياء تلك الليلة، فقد سبق أن قلت إن المغفرة فيها محض كرم من الكريم سبحانه، ولا تحتاج منا أكثر من نقاء القلب.
وهذه المغفرة هي محضُ فضلٍ، ومنة، وكرمٍ من الله تبارك وتعالى، وليست بعملٍ خاصٍ في تلك الليلة، فلا بدع، ولا خرفات، بل محض كرم الله أنه يغفر لأنقياء القلوب في تلك الليلة.
وهذه المغفرة يُحرمها من أشرك بالله تبارك وتعالى شيئًا، أو كان عاقًا لوالديه، أو قاطع رحم، أو صاحب شحناءٍ وبغضاءٍ،
فنقِ قلبك، والله يغفر لي، ولك.
هؤلاء هم من استثناه النص النبوي، أما بقية سكان الكوكب الأرضي، فإنهم يحظون بفضل الله ورحمته بمغفرة ذنوبهم في تلك الليلة، وهو الغفور الودود سبحانه وبحمده،
فأسأل الله أن يجعلني، وإياكم ممن شملهم بلطفه، ومنه، وكرمه، ومغفرته في تلك الليلة.
أيها الأحبة:
إن تلك المغفرة في تلك الليلة لا تحتاج منا أكثر من قلبٍ نقي، يحب الله ـ عز وجل ـ وقلبٍ نقي ليس فيه حقد، أو شحناء، وبغضاء، أو عداوة بين المسلمين جميعًا، بهذا تُنال رحمات الله ـ تبارك وتعالى ـ.
فهيا أيها أحبة: طهروا القلوب والنفوس،
لنطهر جميعًا قلوبنا، ونفوسنا، ونتعرض لرحمة الله ـ عز وجل ـ فإن رحمة الله وسعت كل شيء.
◾ ما المراد بالليلة المباركة الواردة في سورة الدخان؟
الليلة المباركة الوارد ذكرها في سورة الدخان: “إنا أنزلناه في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، وهي أعظم من ليلة النصف من شعبان، لكن هذا لا ينفي أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة، ولها فضل عظيم كما تقدم.
◾ هناك مشايخ يقولون إن هذه الليلة لا فضل لها فما قولكم؟
هؤلاء المشايخ لا يرون صحة الأحاديث الواردة في تلك الليلة، وبالتالي لا يرون فضلها، وقد بينت سابقًا كثرة الأحاديث الصحيحة، والحسنة الواردة في فضلها، وكلام أهل العلم الكبار من أمثال: الإمام ابن حجر، والإمام الهيثمي، والإمام ابن حبان، والإمام ابن خزيمة، والإمام البيهقي، والإمام السيوطي، وفي عصرنا الشيخ أحمد شاكر، والشيخ الألباني، فماذا بعد كل هذا الجمع الغفير من أهل العلم بالحديث النبوي؟
◾ هل هناك دعاء خاص بهذه الليلة؟
ليس هناك دعاء خاص بتلك الليلة، فالمغفرة فيها محض كرم، وفضل من الله عز وجل، وهو أكرم الأكرمين سبحانه، وبحمده.
يكفي الإنسان نقاء قلبه، وبعده عن الغل، والحقد، والحسد، والعداوة، والبغضاء، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والله يغفر لنا أجمعين.