ارتكاب بعض الجرائم في حالة الحرب يُعد سبباً لتشديد العقاب علي مرتكبيها ؛ نظراً لما يترتب عليها من أضرار كبيرة علي البلاد ، ومن أمثلة هذه الجرائم الإلتحاق بأي وجه بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع مصر ، وكذلك الإتلاف العمدي أو الإخفاء أو الاختلاس أو التزوير لأوراق أو وثائق تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى .
وكذلك جريمة تصدير بضائع أو منتجات أو غير ذلك من المواد من مصر إلى بلد معاد أو باستيراد شيء من ذلك ، وكذلك الإهمال في صيانة أو استخدام أي مال من الأموال العامة ، والإخلال العمدي بتنفيذ كل أو بعض الالتزامات التي يفرضها عقد مقاولة أو نقل أو توريد أو التزام أو أشغال عامة .
وكذلك جرائم السرقات التي ترتكب أثناء الحرب ، ونظراً لخطورة حالة الحرب ، و للنية السيئة للجاني الذي يستغل هذه الحالة في ارتكاب جريمته فقد شدد المشرع العقاب علي ارتكاب هذه الجرائم .
والبين من ظاهر النصوص التي تتعلق بالتشديد بسبب توافر حالة الحرب أن تكون الجريمة قد وقعت والبلاد في حالة حرب فعلية ، بمعني أن تكون البلاد طرف في هذه الحرب .
إلا أن التطور في الوقت الحالي وما تبعه من سهولة الانتقال والتواصل و الترابط والتشابك بين بين البلدان ، فإن ذلك يقتضي تغيير النظرة إلي مفهوم حالة الحرب في القانون الجنائي ، بحيث يشمل الحالات التي لا تكون البلاد طرفاً مباشراً في الحرب ، و لكن يكون للحرب تأثير غير مباشر عليها ، خصوصاً في ظل تقارب العلاقات بين الدول ، وتأثير أي حدث علي اقتصاديات البلاد بصورة مباشرة وسريعة .
فإذا كان مفهوم حالة الحرب في القانون الجنائي ينصرف إلي الحالة التي تكون فيها الدولة طرفاً في هذه الحرب أو مشاركة فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فيقوم المشرع بتشديد العقاب علي الجرائم المرتكبة في هذه الحالة نظراً لما تظهرة هذه الجرائم في هذا الظرف من خسة ونذالة لا نظير لها لدي الجاني ، وما لها من أثر خطير يترتب علي ارتكابها ، ونظراً للنية السيئة للجاني الذي يستغل ظرف الحرب في ارتكاب جريمته .
إلا أن مفهوم الحرب في القانون الجنائي يجب أن يتغير بحيث يشمل الحالات التي لا تكون البلاد طرفاً مباشراً في الحرب فيها ، و لكن يكون للحرب تأثير غير مباشر عليها ، حيث يشهد الواقع حجم الدمار الذي تسببه الحرب علي العديد من البلاد حتي ولو كانت غير ذات صلة بها .
ومن المعلوم أن حالة الحرب تُعد من الظروف التي تمرُّ بالمجتمعات فتُغيِّر من مجرى حياتها، وتُحدِث أثرًا واضحًا في كافة اتجاهاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية ، ومقاييسها الاجتماعية والعملية ، وممَّا لا شك فيه أن الإجرام وهو ظاهرةٌ اجتماعية، أو على تعبير البعض سُنةٌ كونية متواترة ، يتأثَّر تأثرًا واضحًا بالحروب، ويصطبغ بها بألوانٍ مُتعددة ، ويرد هذا التأثير لحالة الحرب علي الجريمة والمجرم والعقاب .
المفهوم التقليدي لحالة الحرب :
يقصد بحالة الحرب وفق فقه القانون الدولي كل قتال مسلح بين دولتين أو أكثر، وهي بذلك نزاع بين عضوين من أعضاء المجتمع الدولي وبمقتضي هذا التعريف يخرج من نطاق حالة الحرب النزاع بين طائفتين داخل الدولة الواحدة حتي ولو كان مسلح ، كما يستبعد من حالة الحرب حالة الحرب الأهلية .
وتبدأ حالة الحرب بإعلان الحرب من قبل أي طرف من الدول المتحاربة أو من قبل جميع الأطراف ، وقد تبدأ حالة الحرب بدون إعلان ، كما في حالة مباشرة الأعمال القتالية فجأة وبدون مقدمات .
وتنتهي حالة الحرب بإعلان انتهائها من قبل الأطراف المتحاربة ، أو بفناء أحد الدولتين المتحاربتين أو استسلام أحد طرفي النزاع ، ولا تعتبر فترة الهدنة انتهاء لحالة الحرب .
ويعتبر في حكم حالة الحرب حالة قطع العلاقات السياسية مع دولة أخري ، وكذلك حالة الخطر المحدق لوقوع الحرب متي انتهت هذه الحالة بوقوع الحرب بالفعل .
وكما يحرص الإنسان على حماية مصالحة الشخصية ضد أي ضرر ، تحرص المجتمعات مؤسسات وأنظمة ، على احترام القانون وحماية المصالح في كل الظروف كحالات الحرب أو القحط ، إذ يمثل الإخلال ببعض القواعد القانونية في هذه الظروف تهديدًا لاستقرار البلاد واخلالًا للتوازن الذي يقوم عليه أي تنظيم اجتماعي، وهذا ما يدعو واضعي القانون إلى التفكير في ضمانات احترامه قبل كل شيء في هذه الظروف الاستثنائية ، ويبقى العبء الأكبر على كاهل من تُناط به مهمة تطبيق القانون وتنفيذه .
لذلك فإن مفهوم حالة الحرب يجب يتغير ليشمل كل حالة حرب تنشب في الأقاليم المجاورة للبلاد ، حتي وإن لم تكن البلاد طرفاً فيها ، ويكون لها تأثر علي حالة البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ويكون الضابط أو المعيار في هذه الحالة هو مدي ارتباط البلاد بأي روابط بالدول المشاركة في الحرب أو بأحدي هذه الدول المتحاربة ؛ لأن ذلك يستتبع بالضرورة تأثير داخلي متبادل .
كما يجب أن تشمل حالة الحرب حالات الاضطراب الداخلي ، وينطبق ذلك علي حالات القحط والكوارث الطبيعية وحالات تفشي الجوائح الوبائية .