تبدأ شخصية الإنسان بولادته حياً وتنتهي بوفاته ، وبتحديد زمن الوفاة يتحدد تاريخ زوال الشخصية القانونية للإنسان ، حيث يترتب علي الوفاة آثار قانونية تتعلق بحقوق الورثة والخلف العام والخلف الخاص ، والموت الطبيعي هو مفارقة الروح للجسد ، ولقد ترددت الآراء حول تحديد لحظة الوفاة وهل هي لحظة توقف القلب أم لحظة توقف المخ ، إلا أن المعمول به هو أن تحديد لحظة الوفاة تتم بتقرير من لجنة طبية تقرر وفاة الشخص وسبب وفاته .
وكما يعيش الإنسان حياة طبيعية يمارس فيها أنشطة وأعمال تنتج آثار قانونية ثم تنتهي هذه الحياة عاجلاً أو آجلاً بوفاته ، فإن الإنسان يعيش أيضاً حياة آخري افتراضية ويمارس فيها أنشطة وأعمال افتراضية وينتج عنها أيضاً آثار قانونية .
ولكن هذه الحياة الافتراضية لا تنتهي بوفاة الشخص الطبيعية ، وتظل قائمة لفترة قد تمتد طويلاً ، فتري حساب الشخص علي الفيس بوك ، والتطبيقات الأخرى التي تخصه علي شبكة الإنترنت تعمل ، وتفاجئ أن صديقك المتوفي يرسل لك من حسابه أدعية ومواعظ ومعلومات في الوقت الذي كتبت فيه شهادة وفاته .
فالوجود الافتراضي للشخصية الإنسانية في العالم الرقمي يظل باقياً بعد الوفاة ، فينقل الشخصية الإنسانية من طبيعتها المادية المحسوسة إلي طبيعة آخري رقمية غير محدودة ، وهو ما يجعل المفاهيم القانونية التي تطبق على الشخصية الإنسانية في العالم الواقعي، غير مناسبة للشخصية القانونية في العالم الرقمي.
ومن هنا ندعو المشرع المصري إلي التدخل التشريعي لمواجهة التحديات القانونية التي تنتج عن وفاة الشخصية الواقعية أو الطبيعية التي تترك تركة وفيرة من الملفات والبيانات والمعلومات علي تطبيقاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
فعندما تحدث الوفاة الطبيعية يفترض أن يمتد آثر الوفاة علي كل متعلقات الشخص ، فبوفاة الشخصية الإنسانية تنتهي الشخصية الافتراضية علي مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هذه الفرضية لا تنطبق علي الشخصية الافتراضية حيث تظل باقية ، وكل ما يحدث هو أن يقوم علي إدارتها من اختاره الشخص لإدارتها عن طريق توصيته لشركة الفيس بوك .
وقد لا يثير الأمر أي مشكلة فيما لو كانت الشخصية الافتراضية غير منتجة ، وليس لها أي منتج علمي أو أدبي ، ففي هذه الحالة تموت الشخصية الافتراضية بموت الشخصية الطبيعية بمجرد ترك الحساب وعدم استعماله أو إدارته .
ولكن الإشكالية تبرز إذا كانت الشخصية الافتراضية لها خصوصيتها وقيمتها ، مما يجعل تراثها يمثل تركة تستحق التأطير القانوني ، أو أن يكون أنتاجها الثقافي والفكري يحتاج من يديره بعد وفاة الشخص الطبيعي ، حيث تترك هذه الشخصية الافتراضية تركة مالية كبيرة تقدر بالنقود ، وتتمثل هذه التركة في الأفكار والأبحاث والكتب المخزنة علي الحساب ، وإلي جانب هذه التركة المالية فإن هذه الشخصية تترك تركة معنوية تتمثل في الكثير من المناسبات و التعليقات والتغريدات والخواطر والصور التي تثبت لحظات اجتماعية معينة، قد يكون تشاركها مع البعض أو قد يحتفظ بها.
و هذا الكم الكبير من المخزون الشخصي، ذو قيمة المادية والمعنوية للمتوفى يحتاج إلي تأطير قانوني ، فالواقع التوثيقي المنتظم والمتواتر لهذه الشخصية الافتراضية سواء في الجانب المادي أو المعنوي يثير الكثير من الجدل حول الأحقية في هذا الميراث و الذي لا يمثل قيمة مالية وحسب ، لكن له قيمة معنوية كبيرة لورثة المتوفى وأحبابه ومعارفه .
وإذا كان الواقع يشهد أن هذه التركة لا يخرج مصيرها عن فرضين ، الأول : أن يتم محوها أو تدميرها أو نسيانها . والثاني : أن يتم الاستيلاء عليها من قبل أحد معارف الشخصية الافتراضية ، ومن ثم فإنه يلزم التدخل القانوني لتنظيم الأمر .