وفقاً للمادة 64 من الدستور المصري الصادر في 2014 فإن :- “حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون “.
فالمستقر عليه في الأنظمة المتمدينة أن الحرية الدينية من الحريات العامة للأفراد وهي تعني حرية الإيمان بقواعد وأحكام الدين ، بشرط التقيد بالنظام العام والآداب ، أما حرية الاعتقاد فهي مطلقة فلكل إنسان أن يعتقد بما يشاء في قرارة نفسه ، ولا تأتي القيود إلا علي ممارسة شعائر الأديان فهي مقيدة بما ورد في الدساتير والقوانين بما يتناسب مع النظام العام والآداب ، وذلك صيانة لوحدة المجتمعات .
والدين يقرر أن الناس جميعاً من أصيل واحد خلقهم الله تعالي للتعاون والتواصل والتعارف ، أما الاختلاف في العقيدة فلا يجب أن يؤدي إلي الخلاف والعداوة والتناحر .
وإذا كانت الحرية الدينية مكفولة بمقتضي الدستور والقانون ، فإن الأديان محمية من جهة أخري بمقتضي القوانين أيضاً من حيث كونها منزلة من عند الله ، كما يحمي القانون أحكامها وشعائرها ومعتقداتها ، ويحمي ايضاً من ينتمون إليها .
وإذا كان الدستور والقانون يمنح قدراً من حرية الرأي إلا أن هذا لا يبيح للفرد أن يتصرف بما يهين مشاعر الأخرين أو يجادل بغير داع في أصول دين من الأديان في أي محفل ، أو يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه بسوء قصد، فإذا تبين إنه كان يبتغي بالجدل والنقاش المساس بقدسية الدين والسخرية منه لاثارة الفتنة، فهذا يضعه تحت طائلة العقاب ، وليس له حينئذ أن يحتمي بحرية الفكر أو يتذرع بحرية الرأي .
ونقول أن الحد الذي يجب أن تقف عنده المساجلة والمناقشة في المسائل الدينية هو حد ما دون الامتهان والازدراء وكل ما من شانه أن يحط من قدر الدين ويسقط من كرامته بحجة حرية الرأي ، ويشمل ذلك كل ما يتسع له لفظ التعدي علي الأديان .
فالتعدي والازدراء والتحقير ليست جزء من المناقشة العلمية أو الفلسفية ، فميزة البحث العلمي والمناقشات العلمية أنها تتميز بطابعها الرصين المحتشم الذي ينأي عن التهكم والتحقير أو الازدراء.
أما السباب واللدد والشطط في النقاش فلا يعُد مناقشة علمية ولا تؤدي به أي خدمة بل علي العكس تتعقد به الأمور ، وتنقلب ساحة الاقناع إلي ساحة هياج وفتن وإثارة للمشاعر ، فليس لمن يتعدي ويثير المشاعر ويوغر الصدور بالحقد ويشعل النفوس بنار الغضب ، أن يتمحك بالمصلحة العامة ،اوالرغبة في نشر العلم أو التمسك بالبحث العلمي وحرية الرأي .
فإبداء الرأي لا يصح أن يكون سبباً في إثارة الفتنة بسبب تعدي الحدود والأغراض التي رسمها المشرع بالوقوف عند حد النقاش في المسائل العلمية عند الحد الذي لا يثير الفتنة ويكرس للكراهية ، ويفض الشمل.
ونشير إلي أنه يكون من الصعوبة بمكان أن يحوز المشرع كل الأدوات و الوسائل لحمل الناس علي التعامل بالحسني في علاقاتهم وأعمالهم مع غيرهم ، وعلي الالتزام بالتسامح واللين ، و المحافظة علي متطلبات الشعور العام ، فكل ذلك يتعلق بمدي وعي المواطنين وإدراكهم لدواعي المصلحة الوطنية المشتركة وترفعهم عن التعصب البغيض ، فليس بالتشريع وحده تواجه الآراء والأفكار المنحرفة .
ومن جهة آخري فإنه يجب عدم الخلط بين التصرفات الفردية ، وبين سمت الدين ، فلا يلتصق الفعل أو السلوك المستهجن بالدين ، فالفرد أياً كان دينه أو عقيدته ليس متحدثاً باسم الدين ، و تصرفه لا يمثل قواعد وأحكام وسمت هذا الدين .
ولذلك يجب تجنب الوقوع في فخ المصطلحات التي تشير إلى وجود صراع ديني أو حضاري من الأساس؛ لأن ذلك من شأنه أن يكرس للصراع الخطير .
ومن جهة أخري فإنه يجب ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة، باعتبارها الحاضن لمختلف الهويات الأخرى، الدينية والثقافية والاجتماعية، وذلك من خلال العمل على إعلاء قيم المواطنة واحترام حقوق الإنسان وحرية العقيدة ، وحرية الرأي والتعبير، فهذا يضمن تعزيز التماسك والاستقرار الداخلي في الدول والمجتمعات، والتصدي كذلك لأي محاولات، داخلية أو خارجية، تحاول استثمار وجود هويات دينية ومذهبية وطائفية لتحقيق أهداف سياسية خبيثة .