يعد قصر عابدين جوهرة القرن التاسع عشر، وقد شهد الكثير من الأحداث التي ساهمت في قيام مصر كدولة مستقلة، وكان هذا القصر منذ إنشائه عام 1872 حتى ثورة 1952، شاهدًا على 80 عامًا من الأحداث الاجتماعية والسياسية الحافلة.
متحف قصر عابدين
ويحتوي القصر على 500 غرفة، و5 قاعات كبرى للاحتفالات، تتضمن كل منها 100 قطعة من روائع الفن العالمي، كما يحتوى على قاعات وصالونات، ومسرح يضم مئات الكراسى المذهبة، وفيه أماكن معزولة بالستائر خاصة بالسيدات، يطلق عليها “الحرملك”، والسبب في التسمية أنها منطقة محرمة على الرجال الغرباء.
وأقيم قصر عابدين على مساحة 15 فداناً، وتبلغ مساحة حديقته 19 فداناً.
تعود قصة إنشاء القصر، حينما وجه أمبراطور فرنسا نابليون الثالث الدعوة إلى الخديوي إسماعيل للحضور باسم مصر في المعرض العالمي الذي أُقيم وقتها في العاصمة الفرنسية باريس، واستقبل الخديوي “إسماعيل” البارون “هاوسمان” الذي خطط لتطوير وإعادة بناء مدينة باريس، واصطحبه في جولة في أنحاء المدينة الأوروبية والتي تتميز بالشوارع الفسيحة والمتنزهات والحدائق المُنسَّقة والمباني الجديدة بطرزها المختلفة، حيث تأثر الخديوي اسماعيل وأدرك أنه من الضروري ان تصبح القاهرة كمثيلاتها من العواصم الاوروبية في الطراز المعماري.
وتعد ساحة المدافع هي أول ما يطالعه الزائر بعد دخوله إلى قصر عابدين، وتقع في حديقة القصر الغناء المليئة بالأشجار التي يتجاوز عمرها 100 عام، وبها عدد من المدافع من عصر محمد علي.
ثم ينتقل الزائر إلى ساحة النافورة، وهي ساحة حوائطها من لوحات الفسيسفاء وبها تماثيل لبعض حكام مصر من أسرة محمد علي، كما يقع بها “ضريح سيدي بدران” وهو ضريح رجل تقي فضل الخديو إسماعيل عدم إزالته عند بناء القصر، ويخضع حاليا للترميم.
وتم بناء قصر عابدين على أطلال منزل قديم كان يملكه عابدين بك أحد أحد أمراء الأتراك، وكان يشغل وظيفة أمير اللواء السلطاني، وعند البدء في بناء قصر عابدين تم ردم عدة برك كانت موجودة وتم تسويتها بالأرض، كما تم شراء عدة مبانٍ ملاصقة للقصر وأُزيلَت، وخلال السنوات اللاحقة دأب الخديوي إسماعيل لعدة سنوات على شراء الأملاك المجاورة حتى وصلت مساحة الأرض إلى 25 فدانًا تقريبًا كما ورد في حجة ملكية القصر.
يحتوي القصر على العديد من المتاحف، منها متحف النياشين والأوسمة، ومتحف الفضيات، والمتحف الحربي، الذي يضم بضع قاعات تحتوي على مجموعات نادرة من الأسلحة، كما يوجد أيضا متحف الوثائق التاريخية، الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من الوثائق النادرة، التي تحكي قصة تطور مصر تاريخياً، منذ تولي محمد علي باشا الحكم في العام 1805، حتى نهاية حكم فاروق الأول في العام 1952.
ويمكن زيارة قصر عابدين والتجول في قاعاته من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة الثالثة ظهرا جميع أيام الأسبوع عدا يوم الجمعة، بسعر تذكرة 20 جنيها فقط.
قاعة الأسلحة هي المحطة التالية لزائر متحف قصر عابدين، ويضم كافة الأسلحة منذ العصر الحجري كما يضم مجموعة من أندر السيوف والأسلحة القيمة المهداة لحكام مصر منذ عام 1805 من دول العالم المختلفة.
ويتوسط قاعة الأسلحة عدة تماثيل لمحمد علي وعدد من أبنائه الذي تعاقبوا على حكم مصر حتى عام 1952، كما تضم من الأسلحة الشخصية الخاصة بالملك فاروق الأول، الذي أطاحت به ثورة يوليو/تموز 1952، التي طبع على أغلبها شعار الملكية المصرية أو أول حرف من اسمه باللغة الإنجليزية.
وينتقل الزائر بعد ذلك إلى قاعة الأوسمة والنياشين سواء المصرية أو المهداة للعائلة المالكة في مصر، وتتميز هذه القاعة بطرافة بعض المعروضات بها، فهي تضم “شيشة” الملك فاروق المصنوعة من الكريستال، وخزينة مجوهرات مزودة بأربعة مدافع صغيرة تطلق النار عند محاولة فتحها عنوة.
القاعة التالية هي قاعة السينما التي يمكن للزائر أن يشاهد فيها فيلما تسجيليا عن القصر وقاعاته وغرفه الملكية، غير المسموح بدخولها، وأهم الأحداث التي وقعت به، وكذلك أبرز ضيوفه منذ إنشائه.ويجاور قاعة السينما قاعة الهدايا التذكارية المهداة للرؤساء المصريين، وتضم هدايا من دول العالم كلها.
وتعد قاعة الفضيات هي آخر قاعة في المتحف، وتضم الأواني والمقتنيات الفضية المملوكة لعدد من أفراد الأسرة المالكة وكذلك المستخدمة في الاحتفالات الرسمية .ويمكن لزائر المتحف تناول الغداء وسط حديقة القصر الغنّاء، وهو الأمر الذي يحتاج لحجز مسبق.
ويعد قصر عابدين هو البداية الحقيقية لظهور القاهرة الحديثة في القرن التاسع عشر، حيث رافق بناءه نهضة معمارية واسعة في القاهرة قادها الخديو اسماعيل الذي أمر بتخطيط القاهرة على النمط الأوروبي من حيث الميادين الفسيحة والشوارع الواسعة التي تربط بينها الكباري والجسور وتنيرها المصابيح وتنتشر وسطها الحدائق.
وقد أمر ببناء القصر الخديوي إسماعيل فور توليه حكم مصر عام 1863، على أنقاض قصر صغير كان مملوكا لضابط كبير في الجيش المصري يدعى “عابدين بك” كان قد شيده على مجموعة من البرك التي كانت منتشرة في تلك المنطقة بعد ردمها.
جاء الخديوي اسماعيل ليردم بقيتها فهدمه وضم إليه العديد من الأراضي المحيطة به، ليشيد هذا القصر المنيف على مساحة تسعة أفدنة وليصبح مقرا لحكم مصر عقب انتقال الخديوي إسماعيل للإقامة فيه بعد الانتهاء من تشييده عام 1872،
وكان الخديوي اسماعيل يأمل في الانتهاء من إنشاء هذا القصر عام 1869 قبل افتتاح قناة السويس ليستقبل فيه ضيوفه من ملوك وأمراء دول العالم إلا أن ذلك لم يحدث بسبب مساحة القصر الكبيرة والاهتمام بتفاصيل بنائه الدقيقة التي كلفت خزانة الدولة وقتها مبلغ 665 ألفا و570 جنيها. وعلى الرغم من سكن الخديوي في القصر ونقل مقر الحكم إليه الا أن القصر ظل محتفظا باسم صاحبه القديم عابدين بك لدى العامة الذين أطلقوا ذات الاسم على الميدان والحي بأكمله وعلى الرغم من قيام حكومة ثورة يوليو بتغيير اسم القصر والميدان إلى قصر وميدان الجمهورية الا أن الناس ظلت تردد اسمه الأول.