في رغبة رئاسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أعلن الرئيس التونسى، أمس الأول، إقالة الحكومة وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، لأن تونس التى تعانى أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة نتيجة فشل النّخب السياسية المتعاقبة طيلة السنوات الأخيرة في إرساء منظومة تستجيب إلى تطلّعات المواطن ، تئن كذلك من ضربات كورونا المتواصلة، والأمر لا يحتمل مزيدًا من العبث!
تونس هي القلعة الأكثر صلابة للأخوان المسلمين فى الوطن العربي، وطالما تواجدت جماعة الأخوان مشاركة فى وضع سياسة دولة ما فسرعان ما ستلحظ اعتناقها الإزدواجية ورغبتها فى الاستحواذ على الإدارة ومفاصل الدولة، كما انها لا تخضع لتعليمات رئيس ولا تطلعات شعب ولا حماية وطن ولا تعترف بتراث ولا قومية ولا وطنية ولا حضارة وخصوصية، هى تؤمن فقط بالعالمية وأستاذية العالم و”تعبيد الأرض” بذكر الله وفق مذهب حسن البنا وسيد قطب وعلى منهج السمع والطاعة وحاضر ونعم! لا يعنيهم مستقبل ولا يشغلهم تطوير ، المهم دوما التمكين والتغليب والمغالبة والملاغية.
ما جرى ويجرى فى تونس على مدى ساعات مضت، يبدو كأنه هو نفسه ما حدث هنا فى مصر مع ذات الجماعة قبل ثمانية أعوام ! أحداث يلعب فيها راشد الغنوشى فى تونس دور محمد بديع فى القاهرة بنفس العقلية ونفس التصريحات ونفس التسخين، ونفس الاعتصامات والدعوة للاحتجاجات والزج بتونس فى آتون صراعات واحتقانات ويا ريت حروب أهليه وفوضي ودم وإرهاب كما يفضلونها دوما، لكن ظنى أن هذا لن يحدث أبدا وإن حدث فلن يدوم طويلا لأن الجيش والشرطة التونسية بخير ، تحدث إليها “الرئيس سعيد” قبيل قراراته وحصل على تأييدهم كاملا فصاروا فى صف الرئيس وشعبه وقراراته.
لم يفهم الغنوشي من التجربة المصرية أن الإخوان هى فى النهاية مجرد جماعة، لا يمكن أن تتقدم على الوطن ولا يمكن السماح لها أن تسيطر عليه لحسابها، صحيح أن حركة النهضة الإسلامية فى تونس بدت فى البداية وكأنها قد استوعبت درس سقوط الإخوان فى مصر، ولكن مع مرور الوقت أظهرت من خلال سلوكها على الأرض أن ما بدا منها على أنه قدرة على استيعاب درس السقوط كان تكتيكا قصير المدي لا استراتيجية طويلة الأمد.
كانت تونس قد حصدت أول ميدالية ذهبية فى السباحة فى الاولمبياد التى تقام الآن ، لكن ما يجري على أرضها منذ أول أمس سرقت الأضواء بامتياز من الحدث الرياضي الأشهر، ودفعت المتابعين لألعاب الأوليمبياد إلى ضبط مؤشر المتابعة على تونس العاصمة، التى لاتزال قادرة على بث الأمل فى فضاء العرب!