تعد المشكلة السكانية في مصر أزمة حقيقة تعيق تقدم البلاد، خاصة وأن مصر تحدث تقدما اقتصاديا كبيرا في مختلف المناحي الحياتية، حيث تركز الأنظار والمدائح على نجاحات مصر الاقتصادية في النمو والإيرادات، مما يستوجب من المعنيين دق نواقيس الخطر بسبب تبعاتها الكارثية.
فإذا ما قلنا أن الزيادة السكانية ليست في حد ذاتها مشكلة، إذا كان هناك نمو اقتصادي يواكبها إلى جانب نظام تعليمي وسوق عمل تستوعب الكفاءات الشابة وتدفع بالاقتصاد إلى مزيد من النمو.
ففي هذا السياق تؤكد مراكز الأبحاث والخبراء أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادرا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد.
ومما يعنيه ذلك أن نسبة نمو سكاني بين 2,5 إلى 3 بالمائة سنويا في مصر تحتاج إلى نسبة نمو اقتصادي من 7,5 إلى 9 بالمائة سنويا للسيطرة على الوضع.
النمو الاقتصادي
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة النمو الفعلي ما تزال بعيدة عن النسبة المطلوبة، فإن فرص جني ثمار النمو في تحديث البنية التحتية المتهالكة وبناء صناعة تحويلية بقيمة مضافة عالية تصبح شبه مستحيلة إذا أرادت مصر الاعتماد على نفسها.
ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن المواليد الجدد يلتهمون هذه الثمار التي يذهب ريعها إلى توفير الأدوية والأغذية والخدمات بدلا من استثمارها في قطاعات تولد الإنتاج والثروة اللازمة لتحديث نظم التعليم والبحث العلمي والبنية التحتية.
وإذا ما نظرنا لمشكلة الزيادة السكانية على أنها مشكلة حقيقية فإنها بالفعل مشكلة حقيقية في مصر لن تفترس ثمار النمو فحسب، بل أيضا تتسبب في مشاكل اقتصادية كبيرة، أبرزها قضم الاراضي الزراعية ومصادر المياه المحدودة.
وقد أظهرت خبرات العقود الخمس الماضية أنه كلما زاد عدد السكان يتم التوسع العمراني على حساب ما تبقى من الأراضي الزراعية التي كانت حتى ستينات القرن الماضي تنتج ما يزيد على حاجة المصريين من القمح والأرز.
أما اليوم فقد أضحت مصر من أبرزبلدان العالم المستوردة للحبوب، كما تراجعت حصة الفرد من المياه إلى أكثر من 50 بالمائة خلال الخمسين سنة الماضية.
تحديد النسل
من خلال النظر لتجارب تحديد النسل فإن خطط السيطرة على الإنجاب بحدود طفل إلى طفلين للعائلة الواحدة لم تنجح في الصين أو في أي بلد أخرى، ولا يعني غياب هذا النجاح في مصر التقليل من أهمية حملات وبرامج تنظيم الأسرة التي يتم العمل بها منذ عقود على غرار الحملة الحالية الهادفة إلى الاكتفاء بطفلين تحت عنوان “2 كفاية”.
ومما يدل على هذه الأهمية خفض معدل الخصوبة من 3,4 بالمائة إلى نحو 3 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية، وبغض النظر عن صعوبة تحقيق مزيد من الخفض وخاصة في الأرياف، فإن أي نمو اقتصادي مستدام لا يمكن ضمانه في ظل معدل سكاني متزايد.
فإذا استمر هذا المعدل سيتضاعف عدد السكان في غضون أقل من 40 سنة، ومن هنا فإن هناك ضرورة لإعادة النظر بالحملات والبرامج الحكومية الحالية والحوافز المرتبطة بتنفيذها.
وفي هذا الإطار لابد من تفعيل دور بعض مؤسسات الدولة والإعلام لتحقيق هدف الحملة الحالية المتمثل بخفض معدل الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة.
والمطلوب أيضا حملة وطنية تشمل تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمساجد والكنائس والتعليم وباقي وسائل الإعلام بشكل أكبر في عملية التوعية بمخاطر النمو السكاني على هذه الشاكلة وتقديم الحوافز اللازمة لها بهذا الخصوص.
وفيما يتعلق بفرص العمل فإنه من الضروري تشجيع المرأة ودعمها في الحصول عليها بنسبة لا تقل عن 50 بالمائة مثلها مثل الرجل. فالمرأة الموظفة عموما تنجب أطفالا أقل وتعطي أهمية أكبر لتعليم أبنائها مقارنة بالمرأة التي تقوم فقط بالأعمال المنزلية.