تعتبر فتاوى وأسئلة العلاقات الزوجية من الأمور المنتشرة بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد ظهور المشكلات الزوجية وتعدد نسب الطلاق في الآونة الأخيرة.
ورصد موقع «أوان مصر» سؤالا لإحدى السيدات في تعليق بالصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية ونصه كما يلي:
“زوجي مسافر من سنتين وبيطلب مني المعاشرة عن طريق الفيديو.. فهل دا حرام أم حلال؟”.
وأجاب على هذا السؤال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق، في تصريح لـ «أوان مصر» بأن هذا الفعل حرام تحريم قطعي شرعي، خاصة وأن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت مفتوحة الأن أمام الجميع.
وحذر «الأطرش» من تداول الصور والمقاطع المصورة بعد ظهور برامج التجسس، والتي يتخذها أصحابها كوسيلة لابتزاز الشخص بعد سحب كافة خصوصياته، متسائلا.. كيف يمكن للزوج أن يعرّض زوجته لمثل هذه الأفعال؟، منوها أن ما يتم من مداعبة صوتية بين الزوجين في الهاتف المحمول فلا حرج في ذلك ويجوز.
وتابع: بالنسبة للشخص المسافر فوجوب عليه الرجوع لزوجته حال طلبها ذلك، منعا لوقوع ما حرم الله واللجوء إلى طريق البغاء، والدليل ماجاء في قول الله تعالي: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”، وقولة تعالي: “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”، وقوله تعالي “وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا”، لكن لو ستتحمل الزوجة فترة غيابه فلا حرج وأن لا يُطيل فترة غيابه، صونًا لحقوق زوجته التي شرعها الله.
حكم كثرة الجماع
وعلى برنامج بين السائل والفقيه، الذي يُذاع كل يوم جمعة عبر موجات إذاعة القرأن الكريم، ورد سؤالا من سيدة تقول:
«زوجي يعتبني من كثرة الجماع.. ولا أطيق.. فهل علي إثم في ذلك؟
وأجاب عليها الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بأن الزوجة لا تمتنع عن زوجها إلا في حالة التعب والإرهاق الشديد الذي يصل إلى المرض.
ولكن الزوجة الذكية الفطنة هي التي تستطيع أن ترضي زوجها سواء كان ذلك عن طريق «الملاطفة، المداعبة، التقبيل» بأي شكل كان، خاصة وأن أغلب الرجال هدفهم الأول من العلاقة هو تفريع الشهوة، متسائلا هل ترضين أن يتزوج الرجل بغيرك لقضاء حاجته؟.
وعلق «عبد الرؤوف» :كثير من حالات الطلاق في المجتمع تكون بسبب العلاقة الزوجية، والفهم المغلوط تجاه الحياة الزوجية، واعتبارها حياة جنسية فقط، موجها النصيحة للسائلة بضرورة التواصل مع زوجها ومحاولة إرضائه على قدر المستطاع.
حكم إبرام عقود الزواج في المسجد
وفي سياق آخر، أفتى العلماء بأن النكاح سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه في “سننه” عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ».
والنكاح ميثاق من أغلظ المواثيق؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]؛ لذا فقد استحب جمهور العلماء إعلان النكاح؛ فقال العلامة ابن عابدين في “حاشيته على الدر المختار” (3/ 8، ط. دار الفكر): [قوله: (ويندب إعلانه) أي: إظهاره، والضمير راجع إلى النكاح بمعنى العقد؛ لحديث الترمذي: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ»] اهـ.
إبرام عقود الزواج
وقال العلامة الحطاب في “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” (3/ 408، ط. دار الفكر): [قال في التوضيح: ويستحب إعلان النكاح وإشهاره وإطعام الطعام عليه] اهـ.
وجاء في “حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب” (4/ 345، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال الأذرعي: قال بعض أصحابنا المتأخرين: هو مستحب في العرس والوليمة يعني وليمة العرس. وفي شرح السنة للبغوي: إن إعلان النكاح وضرب الدف فيه مستحب] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة في “المغني” (7/ 82، ط. مكتبة القاهرة): [ويستحب إعلان النكاح والضرب فيه بالدف. قال أحمد: يستحب أن يظهر النكاح ويضرب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف] اهـ.
وقد اتفق العلماء على جواز إبرام عقد النكاح في المسجد، بل ذهب جمهورهم إلى استحبابه؛ فقال الكمال بن الهمام في “فتح القدير” (3/ 189، ط. دار الفكر): [ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد؛ لأنه عبادة، وكونه في يوم الجمعة] اهـ.
وجاء في “منح الجليل شرح مختصر خليل” (8/ 86، ط. دار الفكر): [(و) جاز (عقد نكاح) بمسجدٍ، واستحسنه جماعة] اهـ..
وقال العلامة ابن الصلاح في “شرح مشكل الوسيط” (3/ 561، ط. دار كنوز إشبيليا): [يستحب أن يكون العقد في مسجد] اهـ.
وجاء في “مغني المحتاج” (4/ 207، ط. دار الكتب العلمية): [ويسن أن يتزوج في شوال، وأن يدخل فيه، وأن يعقد في المسجد، وأن يكون مع جمع، وأن يكون أول النهار] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في “كشاف القناع عن متن الإقناع” (2/ 368، ط. دار الكتب العلمية): [ويباح فيه عقد النكاح، بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب] اهـ.
وقد استدل جمهور العلماء لصحة قولهم باستحباب عقد النكاح في المسجد بما رواه الشيخان في “صحيحيهما” عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ.. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.. قال: «اذْهَبْ، فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».
قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (9/ 206، ط. دار المعرفة): [وفي رواية سفيان الثوري عند الإسماعيلي: “جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد”، فأفاد تعيين المكان الذي وقعت فيه القصة] اهـ. فهذه الرواية تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجرى عقد الزواج في المسجد وأعلنه.
ويدل لهم أيضًا ما رواه الترمذي في “سننه” عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي المَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ».
قال الملا علي القاري في “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (5/ 2072، ط. دار الفكر): [قوله: (واجعلوه في المساجد) وهو: إما لأنه أدعى إلى الإعلان، أو لحصول بركة المكان] اهـ.
ولا شك أن المساجد أعظم الأماكن بركة، إذ هي أحب البقاع إلى الله؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم في “صحيحه” عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا».
هذا، واستحباب إبرام عقد الزواج في المسجد مشروطٌ بالحفاظ على قدسية المسجد، وآداب التعامل معه؛ فقد جاء في “الشرح الكبير” للإمام الدردير (4/ 70، ط. دار الفكر): [وعقد نكاح -أي: في المسجد-.. من غير ذكرِ شروطٍ ولا رفعِ صوتٍ أو تكثيرِ كلامٍ، وإلا كُرِهَ] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإقامة عقود الزواج في المسجد مستحبَّةٌ، بشرط ألا يترتب على ذلك أمرٌ محظور، وينبغي الحفاظ على نظافة المسجد وقدسيته وآدابه؛ فلا يَرفع الحضور أصواتهم في المسجد، ونحو ذلك ممَّا يُعدُّ من الإخلال بآداب المسجد.