يضرب المصريون النموذج الأبرز والأكثر حضوراً عالمياً والأمثل عملياً، في ارتباطهم بوطنهم وأرضهم إلى حد الجود بالروح في سبيل الوطن والذود عنه دون جزع أو وجل، ولذلك كانت مصر عبر التاريخ بحق- وستظل- هي (هبة النيل والمصريين).
وإذا كان هذا العشق الفريد من نوعه والطاغي في ديمومته عبر الزمن، أمراً اعتيادياً لدى المصري في أرض الوطن، فإنه يصبح أكبر أضعافاً مضاعفة في نفسه وروحه حين يقيم خارج بلاده حتى ولو لفترة وجيزة.
وفي تقديرنا فإنه من المنظور الإستراتيجي للأمن القومي- واستناداً لهذه العلاقة بين المصري ووطنه التي لا نجافي الحقيقة ولا نتجاوز الواقع إن وصفناها بأنها “حالة العشق الوطني”- إن هذا الاتباط يجعل من المصريين وفي القلب منهم أبناء الوطن المقيمين خارجه، زخراً وذخيرة للأمن القومي المصري، حاضراً ومستقبلاً.
أثمن من مصدر للدخل القومي
تشير الخبرة العملية إلى أن ثمة حاجة ماسة إلى توسيع البؤرة الإستراتيجية التي من خلالها ننظر ونقيم العلاقة بين الوطن وأبنائه في الخارج.
فعلى الرغم من الأهمية الفائقة وغير المنكورة للعملة الصعبة التي يساهم المصريون في الخارج في توفيرها للخزانة العامة للدولة سنوياً من خلال تحويلاتهم ومدخراتهم، فإن القيمة الإستراتيجية لأبناء الوطن المغتربين عن أرضه أثمن بكثير من هذا الأمر، وتتعداه إلى أبعاد أخرى لا تقل عنه إن لم تزد عليه بمراحل.
فمن جهة أولى، يعتبر المصري ممثلاً لوطنه وراسماً لصورته الذهنية في الخارج، إذ أنه كلما رقي بسلوكه واتقن عمله وسما بأخلاقه، كان خير سفير لبلده على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية، والعكس صحيح بطبيعة الحال.
ومن جهة ثانية، يساهم المصريون المقيمون في الدول العربية الشقيقة، في مختف أوجه العمران والتطوير على كافة المستويات، مما يعزز وشائج الترابط الأخوي بين مصر وشقيقاتها، ويدعم مكانة القاهرة كشقيقة كبرى لبقية العواصم العربية.
ومن جهة ثالثة، فإن المصريين المقيمين في الدول الأجنبية كما في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وغيرها، يمثلون رصيداً معنوياً وسنداً سياسياً هاماً للقاهرة إذا ما أحسن استثماره على الوجه الأمثل.
وهناك العديد من الحالات الواضحة بما يكفي للتدليل على صحة ما ذكرناه.
التقييم الوافي والرؤية الشاملة
ويقتضي التقييم الشامل الوافي للعلاقة بين المصريين في الخارج والامن القومي، إجراء تقييمين في هذا الصدد: أولهما، يتصل بتقييم أثر أداء المصريين في الخارج على الأمن القومي من زوايا عدة، أبرزها: الصورة الذهنية في الخارج، والعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة التي يقيمون فيها.
والتقييم الآخر يتعلق بدراسة أثر أداء الدولة المصرية – ممثلة في وزاراتها وأجهزتها المختلفة- وتحركاتها على أبناء مصر في الخارج.
ولعله من الانصاف في هذا المقام القول أن وزيرة الهجرة والمصريين في الخارج السفيرة نبيلة مكرم لا تألوا جهداً في الاهتمام بشؤون أبناء الوطن المغتربين في مختلف بلدان العالم، كما أن اسهامات الوزيرة مشهودة في حالات الطوارئ أو الحوادث أو الاعتداءات التي يتعرض لها بعض المواطنين في الخارج.
وعلى الإجمال، فإن ثمة خطوطاً عريضة موجزة ربما تشكل مقترحات مفيدة في سياق تفعيل ما يمكن أن نطلق عليه حملة (المصريون في الخارج.. زخر وذخيرة)، وذلك على النحو التالي:
– وضع تصور واضح عن حالة أبناء الوطن في الخارج بصفة دورية منتظمة في الاوضاع الطبيعية وليس فقط التحرك بشكل موسمي أو عند وقوع الأزمات.
– إنشاء قاعدة بيانات شاملة وحصرية عن المصريين المقيمين في الخارج، تشمل: بياناتهم الشخصية من قبيل بيانات العمل أو الدراسة، ومكان الإقامة، والحالة الاجتماعية، ومستوى التعليم أو التأهيل الحرفي، وبيانات الأسرة داخل مصر للتواصل في حالة الضرورة. على أن تكون هذه القاعدة بالتنسيق بين وزارات: الهجرة، والخارجية، والداخلية. ويتم تحديثها سنويااص.
– تأسيس منصة إلكترونية، بالتعاون بين الوزارات الثلاث المشار إليه أعلاه، لتعريف المواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج، سواء للعمل أو الهجرة الممتدة، بفرض العمل المتاحة في البلدان العربية والأجنبية التي تشكل قبلة للراغبين في السفر، بحيث يتضمن ذلك بياناً تفصيلياً بنوعية الوظائف والمهن المتاحة للوافدين في تلك البلدان، والشروط والمؤهلات الخاصة بكل منها، والرواتب الخاصة بها، على أن تتضمن هذه المنصة كذلك نصوص قوانين العمل والإقامة في تلك البلدان، فضلاً عن ظروف المعيشة والإنفاق.
– توفير دورات تأهيلية للراغبين في السفر إلى الخارج، بإشراف وزارات: الخارجية والهجرة والداخلية وهيئة القوى العاملة، ويمكن أن يدعم القطاع الخاص هذه الدورات، مالياً ولوجيستياً.
– إحاطة المواطن المصري الموجود في الخارج بسياج حمائي من قبل الدولة، بحيث (يُحسب له ألف حساب)، من قبل الغير دولاً كانوا أومنظمات أو أفرادا. إذ لابد أن يُفهم ويدرك جيداً بلا مواربة أو مجاملة أن (المصري خط أحمر)، بحيث يكون احترام المواطن المصري مكافئاً لاحترام هيبة الدولة المصرية.
– وارتباطاً بذلك، من الأهمية بمكان تصحيح الاعتقاد الشائع الخاص بسوء تفسير تعامل الدولة المصرية بدلوماسية مع غير المصريين على أنه إهدار لحقوق أبنائها، والتأكيد على أن هذا التعامل لا يعني التهاون أو الإهمال بل التروي والتعالي عن الصغائر والحرص على عدم تعكير صفو العلاقات بين القاهرة والدول الشقيقة والصديقة.
– أخيراً وليس أخراً، حث شركات الطيران الوطنية، على تقديم تذاكر سفر بأسعار تنافسية على مدار العام للمصريين في الخارج، بما يمنحهم ميزة تفضيلية، بما يمثله ذلك من اثر نفسي فارق لجهة تعزيز الشعور الوطني لدى ابناء الوطن المغتربين، ناهيك عن تشجيعهم على السفر بصفة متكررة الى وطنهم، وهو الأمر الذي سيمثل إيراد إضافي لشركات الطيران المصرية.