قبل أيام أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جديداً لرفع الحد الأدنى للأجور مرة أخري، وهو قرار يتناقض مع مطالب تقليص بند الأجور في الموازنة كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي وما يستدعيه ذلك تقليص حجم العمالة التي تقارب خمسة ملايين موظف.
وخطت مصر خطوات واسعة لتلبية هذا المطلب منذ عام 2016 حينما حصلت على قرض صندوق النقد الدولي، ففي عام واحد استطاعت تقليص العمالة في الجهاز الإداري بنسبة حوالي 13%.
طرح به كثير من التسطيح
وذكر تقرير تحليلي نشره (مركز حلول للسياسات البديلة – عدسة) التابع للجامعة الأمريكية أن كثير من المراقبين يرون أن هذا الطرح ينطوي على كثير من التسطيح لأن الواقع المصري لا يعاني تضخم الجهاز الحكومي بقدر ما قد يعاني من ضعف الكفاءة وسوء توزيع الموارد البشرية داخل القطاعات المختلفة.
مؤشرات سوق العمل في الدول المتقدمة
ويرى التحليل أن الدفع بحجة أن تقليص العمالة الحكومية شرطاً لتبني اقتصاد السوق وإصلاح الاختلالات المالية للدولة أمر غير سليم، لأنه بالنظر إلى مؤشرات سوق العمل في الدول المتقدمة القائمة على اقتصاد السوق، نجد أن نسبة العمالة الحكومية من إجمالي المشتغلين لا تقل عن 18% في بلجيكا وتفوق الـ30% في النرويج.
وقال: بمراجعة آخر الإحصاءات المتاحة التي تعود إلى عام 2017، نجد أن النسبة التقريبية للعاملين، في الجهاز الإداري للدولة المصرية كانت 19% بواقع حوالي 5 ملايين من إجمالي 26 مليون مشتغل.
مصر ليست استثناء مقارنة بدول متوسطي الدخل
وأوضح أنه مصر لا تعتبر استثناء بالمقارنة بأقرانها من دول العالم متوسطة الدخل من حيث تكلفة العمالة الحكومية، فقد بلغت نسبة تكلفة العمالة الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي 8.6% للعام المالي 2022/2021، في حين أن إحدى الدراسات الصادرة عن صندوق النقد الدولي تشير إلى أن هذه النسبة تصل إلى 8.7% في الدول ذات الدخل المتوسط.
وفيما يخص الإنفاق على العمالة الحكومية كنسبة من الإنفاق العام في مصر فقد بلغت 19.6% في العام المالي نفسه، وهي في حقيقة الأمر نسبة أدنى بكثير مما هو متعارف عليه في الدول متوسطة الدخل التي يصل فيها الإنفاق على العمالة الحكومية كنسبة من الإنفاق العام إلى 31.8%.
قطاعات مأزومة
وقال تحليل عدسة: رغم ادعاءات التضخم، نجد أن الجهاز الحكومي المصري يعاني من نقص واضح في قطاعين من أهم القطاعات الخدمية وهما التعليم والصحة.
وتشير الإحصاءات إلى التراجع في أعداد المدرسين على أساس سنوي رغم الزيادة المستمرة في أعداد الطلاب المقيدين في التعليم ما قبل الجامعي، في الوقت نفسه لا تزال المشكلة مرشحة للتفاقم نظرًا إلى أن أغلب المعلمين قد تجاوزوا الخمسين وفي طريقهم إلى التقاعد، وقد بلغ عجز المعلمين 323 ألفاً في عام 2021 تبعًا لتصريحات وزير التعليم آنذاك.
وقد حاولت الحكومة تدارك هذا الأمر حينما أعلن رئيس الجمهورية عن تعيين 150 ألف مدرس على خمس سنوات لسد العجز.
ويواجه القطاع الصحي الحكومي التحدي نفسه حيث تستمر أعداد الأطباء في الانخفاض، والسبب وراء ذلك هو زيادة معدل الاستقالات في ضوء ضعف العائد المادي وغياب الحماية الطبية الكافية والرغبة في إيجاد فرص عمل أفضل خارج مصر، ويعزز هذا الوضع من النسبة المنخفضة للأطباء مقابل عدد السكان.
الاستفادة الأفضل من العمالة الحكومية
وحدد التقرير التحليلي خمسة إجراءات لتحقيق أفضل استفادة من العمالة الحكومية، وتشمل:
1- عدم التعامل مع الجهاز الإداري للدولة باعتباره عبئاً مالياً يجب خفض حجمه أو تكلفته.
2- يجب تفعيل آليات الحوكمة والمحاسبة لضمان كفاءة هذا الجهاز.
3- إصلاح الجهاز الإداري بتبني عملية تفاوض مجتمعي بشكل يخدم الرؤية التنموية للبلاد.
4- يتعين التركيز في زيادة إيرادات الدولة وخاصة الحصيلة الضريبية بدلًا من الحديث عن تخفيض فاتورة الأجور أو تقليص العمالة الحكومية، ففي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، لم تواجه الدول ذات الأجهزة الإدارية الأكبر -مثل الدول الإسكندنافية- أية اختلالات مالية تُذكر.
5- يتعين تخصيص جزء من ميزانية كل وحدة لتدريب العاملين في الجهاز الإداري من أجل تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.