يعيش الرجل الخمسيني معاناة لا يتحملها أحد، تمر من جانبه تراه مبتسمًا، لكن عندما تُدقق في عينيه ترى الحزن والآلم، جالس على أرصف الشوارع يحمل ابنته الصغيرة بين يديه، ويحمل هموم واحلام ابنته الكبرى على عاتقيه، يقضي وقته في الشارع أمامه صندوق الورنيش الذي يُعد باب رزقه الوحيد في الحياة، ودموعه محبوسة في عينيه، وكبريائه يغلب عليه، لا يقبل الصدقة وعندما تعطيه مالًا تأخذ مقابله خدمة.
صندوق الورنيش صديقه الوفي
رصدت عدسة «أوان مصر»، الرجل البالغ من العمر خمسون عامًا أسفل كوبري الدقي، بمحافظة الجيزة، أمامه صندوق الورنيش وبين يديه طفلته الصغيرة التي لا تتعدى الأربع سنوات، يعتاد على الإبتسامة التي تراه وتظن أنه لا يحمل همومًا في حياته قط، لكن عندما تقترب وتتحدث معه ترى الهموم والأحلام الطائرة التي لا يستطيع أن يجلبها لأبنائه الصغار.
ويحكي خالد سعيد البالغ من العمر خمسون عامًا لـ «أوان مصر»، معاناته التي مر بها طوال رحلة حياته، عندما اقتربنا منه وجدنا الإبتسامة التي كانت تظهر من بعيد بدأت تختفي وعندما تحدث بدأت ملامح وجهه تتغير كثيرًا ونبرته بدأت تنخفض ويداه ترتعشان، والدموع تنزل من عيناه كسيلان المطر، كل هذا عندما سألناه لماذا انت جالس هنا؟، رد قائلًا أنه المكان الذي اعتاد أن يجلس فيه مُنذ سنوات عديدة بـ صندوق الورنيش، أو كما يُسميه صديقه الوحيد الذي يُصاحبه طوال يومه.
ويقول خالد سعيد ابن قرية “باها” التابعة لـ «محافظة بني سويف» لـ «أوان مصر»، إنه يعيش مع أبنائه في منزل صغير في قرية المعتمدية التابعة لمركز كرداسة بمحافظة الجيزة، ذلك بعد انفصاله عن زوجته منذ حوالي 4 سنوات، يتحدث ونبرات صوته منخفضة وينظر للأرض ويتحدث بأنه يقنط في شقة صغيرة مع أبنائه الـ الثلاثة ولديه ابنة تزوجت الآخرى على مشارف عش الزوجية.
«وفاة ابني كسرت ضهري»
يتحدث بكل حزن وضيق، بأنه ينام هو وابنه الأكبر البالغ من العمر 14 عام على مرتبة وبناته الاثنين على مرتبة اخرى لضيق المنزل، ويحاول أن يوقف دموعه لكي لا يظهر ضعيفًا، لكن الهموم كانت أكبر منه ولم يستطيع أن يُخفي لحظات انكساره وشعوره بالعجز بعد أن توفى ابنه “سعيد” الذي كان سندًا له، كان ذاهبًا ليحتفل بعيد الفطر مع أعمامه، كان سعيدًا لأنه سيرى محبوبته لكنه لم يكن يعلم أنه سيودع أحبابه في تلك الرحلة، ذهب إلى منزل عمه وساعات على صلاة العيد وجدوه توفى: «وفاة ابني كسرتني بس الحمدلله كلنا لها».
عاش الرجل الخمسيني بعدة تجارب كادت أن تُكسر ظهره، اُصيب بمرض السكري وخضع تحت عمليات عدة بعد تعرضه لجلطة، منذ ثلاث سنوات، حتى أصبح شبه عاجز، ولا يستطيع أن يسعى مثلما كان يفعل في البداية، مما اضطره للجلوس على أرصفة الشوارع لتلميع الأحذية، ويضم ابنته الصغيرة بين يديه: «خايف اسيبها لوحدها تنزل الشارع يحصل فيها حاجة وطول ما هي في حضني أنا حاسس بالراحة».
يطلب الرجل الخمسيني، أن يقف أحد بجانبه ويساعده ليعيش في منزل أدمي ويوفر له عمل يستطيع من خلاله أن يصرف على أبنائه حتى يستطيع أن يعيش حياة كريمة مع أبنائه.
اقرأ أيضًا: