تتصاعد الأحداث في الحرب الروسية الأوكرانية، يومًا بعد يوم، إلا أن ما تراهن به موسكو هو قطاع الطاقة الذي يغزي أوروبا بأكثر من 40% من احتياجاتها من النفط والغاز الروسي، فرغم العقوبات الغربية المتتالية منذ أن أعلن الرئيس بوتين شن عملية خاصة في أوكرانيا، وتدهور عديد المدن الأوكرانية، أعلنت شركة جازبروم، أحدى أكبر شركات الطاقة في روسيا تواصل إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، إلا أن الجانب الغربي يسعى علنًا للتخلص من العوز لموسكو، وكان قد بدأها الولايات المتحدة وبريطانيا.
وتعد روسيا تاريخياً أكبر مورد للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، ورغم محاولات الأخير تقليل الاعتماد على الغاز الروسي بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014، إلا أن روسيا لا تزال توفر نحو 40% من استهلاك الغاز في التكتل.
جازبروم تواصل توريد الغاز إلى أوكرانيا
قال المتحدث بشركة النفط الروسية جازبروم، سيرجي كوبريانوف، الأحد، إن الشركة تواصل توريد الغاز الروسي من أجل نقله إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية كالمعتاد.
بحسب وكالة تاس الإخبارية، أضاف كوبريانوف أن: “جازبروم تزود الغاز الروسي من أجل المرور عبر الأراضي الأوكرانية حسب المعتاد وفقًا لطلبات المستهلكين الأوروبيين اعتبارًا من اليوم 20 مارس والتي تقدر بـ 106.6 مليون متر مكعب”.
وأثار الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي إصلاحًا شاملاً لأولويات الطاقة في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة ، حيث تسعى بروكسل إلى انتزاع الدول من الاعتماد على روسيا، التي تزود الاتحاد بنحو 40٪ من الغاز الطبيعي للكتلة.
الطاقة المتجددة خير بديل
نشرت المفوضية الأوروبية، مطلع الشهر الجاري، خططاً لخفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين هذا العام وإنهاء اعتمادها على الإمدادات الروسية من الوقود “قبل عام 2030 بوقت طويل”.
وقالت المفوضية الأوروبية إنها ستتحول إلى إمدادات بديلة وتوسع نطاق الطاقة النظيفة بشكل أسرع بموجب الخطط التي ستكون الحكومات الوطنية مسؤولة إلى حد كبير عن تنفيذها.
وقال رئيس سياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي ، فرانس تيمرمانز ، إن “الرد على هذا القلق وأمننا يكمن في الطاقة المتجددة وتنويع الإمدادات”.
تأتي الخطط الجديدة على رأس سياسات تغير المناخ التي يتفاوض عليها الاتحاد الأوروبي حاليًا، والتي تم تصميمها لخفض الانبعاثات بشكل أسرع هذا العقد وستعمل وحدها على خفض استخدام الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 30٪ بحلول عام 2030.
وقالت المفوضية إن الغاز والغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة وقطر يمكن أن يحل هذا العام محل أكثر من ثلث 60 مليار متر مكعب من 155 مليار متر مكعب تحصل عليها أوروبا سنويا من روسيا، مشيرةً أنه بحلول عام 2030، يمكن أن تساعد زيادة استخدام الميثان الحيوي والهيدروجين في خفض الاعتماد على الغاز لانتاج الطاقة.
وقالت المفوضية إن الدول يمكنها فرض ضرائب على أرباح شركات الطاقة من ارتفاع أسعار الغاز لتعويض ارتفاع فواتير الكهرباء. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن مثل هذه الضرائب قد تجمع 200 مليار يورو (218 مليار دولار) هذا العام.
ويمكن لمشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة أن تحل محل 20 مليار متر مكعب من الطلب على الغاز هذا العام ، في حين أن زيادة السعة ثلاث مرات بحلول عام 2030 ، بإضافة 480 جيجاواط من الرياح و 420 جيجاواط من الطاقة الشمسية ، يمكن أن توفر 170 مليار متر مكعب سنويًا.
ومن المقرر أن يقنرح الاتحاد الأوروبي أيضًا قواعد بحلول أبريل تطالب دول الاتحاد بملء مخزون الغاز بنسبة 90٪ بحلول الأول من أكتوبر من كل عام. مساحة التخزين في الاتحاد الأوروبي ممتلئة بنسبة 27٪ حاليًا.
لماذا لا تقطعه موسكو أو يستغنى عنه الغرب؟
من جانبها، حذرت موسكو حذرت في وقت سابق، من أن العقوبات الغربية على النفط الروسي – وهي فكرة تؤيدها الولايات المتحدة لكنها قسمت دول الاتحاد الأوروبي – قد تدفعها إلى إغلاق خط أنابيب غاز رئيسي إلى أوروبا.
تمتلك أوروبا مخزوناً كافياً وإمدادات غاز بديلة لهذا الشتاء، لكن محللين يقولون إن الوقف المطول للواردات الروسية سيضر بالاقتصاد الأوروبي وسيتطلب إجراءات طارئة مثل إغلاق المصانع.
والسؤال هنا.. لماذا لا تقطعه موسكو أو يستغنى عنه الغرب؟.. الإجابة تكمن في أن موسكو تسعى للحصول على النقد الأجنبي في أسرع ما يمكن خاصة عقب إخراجها من نظام سويفت المالي، أم الجانب الأوروبي فإن اقتطعت عنه الطاقة الروسية فذلك سيفضي بكوارث على دول التكتل، التي سينهار فيها قطاع الطاقة بشكل عاجل، وقد تظلم عديد المدن الأوروبية.
دعا ذلك وزير المالية المجري ميهالي فارجا القول بإن حكومته لن تدعم أي عقوبات على الطاقة الروسية.
ففي مقطع فيديو نُشر على فيسبوك في وقت سابق، تحدث عن الضرر الكبير الذي أحدثته العقوبات الحالية على روسيا باقتصادها.
وقال:”أولئك الذين يطالبون بتوسيع العقوبات يريدون من الشعب المجري أن يدفع ثمن الحرب”.
لتعكس هذه التصريحات التضارب الغربي حول فرض عقوبات كبيرة على قطاع الطاقة الروسي، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على روسيا في 40٪ من احتياجاته من الغاز وحوالي 27٪ من واردات النفط.
الغرب لن يستطيع عزل روسيا إلا إذا..؟
وعليه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، على أن ما يمنع الغرب حتى الآن من توقيع عقوبات اقتصادية على قطاع الطاقة الروسي، هو أن أوروبا هي المتضرر في المقام الأول، وإن سد الفجوة الناتجة عن الاستغناء عن النفط أو الغاز الروسي شبه منعدمة حاليا.
وأوضح نافع في تصريحات خاصة لـ «أوان مصر» أن هذا ما جعل أمريكا تتنازل عن بعض الثوابت في سياستها الخارجية باللجوء إلى فنزويلا التي تقبع في الحضن الروسي، وإعادة العلاقات المرتبقة مع إيران.
وشدد نافع على أن الغرب لن يستطيع عزل أو تحييد روسيا إلا عن طريق تحييد قدراتها النفطية من خلال البحث عن بدائل بشكل عاجل، لزيادة المعروض، فقد تعهدت واشنطن على زيادة المعروض.
وحول بدائل الطاقة المتجددة، أوضح نافع أنه من الصعب الاعتماد عليها في الامد القريب، وذلك يرجع لتكلفتها العالية، وقدراتها على توليد الطاقة أقل بكثير من الوقود الأحفوري، كما أنها تحتاج وقت كبير للتطور، وهو ما لا يسمح به الوقت الراهن.
وحول التباين في الموقف الأوروبي، قال نافع أن قرار العقوبات الاقتصادية على روسيا لن يكون بالضرورة قرارا موحد من الغرب، حيث إن الدول التي ستقرر الاستغناء عن النفط الروسي هي من استطاعت توفير بديل له، ومن لن يستطيع لن يوقع عقوبات، مستشهدا بالرفض الألماني لتطبيق حظر سويفت في مجال الطاقة.