تستمر الإدارة الأمريكية في محاولاتها المستميتة لعزل عدوها الأول روسيا عن العالم، عقب بدأ الدب الروسي عمليته العسكرية ضد أوكرانيا، وهذه المرة هو استقطاب حليف الروس الأزلي، فنزويلا، وغاية أبناء العم سام هي تدارك الارتفاعات الجنونية في أسعار النفط، من خلال زيادة الإنتاج خاصة أن الدولة اللاتينية تعد من أكبر مصدري الذهب الأسود في العالم.
وتصنف فنزويلا من أكبر الدول المصدرة للنفط عالميا، حيث تزخر بأكبر احتياطي يقدر بنحو 300 مليون برميل، مما يجعلها دولة مهمة في سوق النفط العالمي.
وتقول منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” إن إنتاج النفط يشكل نحو 98 في المئة من عائدات فنزويلا، بالإضافة إلى كونها غنية بموارد طبيعية مثل الغاز وخام الحديد والذهب ومعادن أخرى.
وكانت قد قررت واشنطن فرض عقوبات على النفط الفنزويلي في عام 2019 وأغلقت سفارتها في كاراكاس بعد أن اعتبرت فوز الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في الانتخابات عام 2018 تزورير وخدعة.
احتواء حليف روسيا
وفي تقرير نشرته شبكة سي إن إن الإخبارية، أكد فيه مصدر مطلع على أن إدارة بايدن تدرس إمكانية تخفيف العقوبات على فنزويلا حتى تتمكن البلاد من البدء في إنتاج المزيد من النفط وبيعه في السوق الدولية.
وقال المصدر إن هذه الخطوة تهدف إلى تقليل الاعتماد العالمي على النفط الروسي وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، وعزل الدب عن أحد حلفائه الرئيسيين في أمريكا الجنوبية.
وأضاف المصدر أن مسؤولي إدارة بايدن، بمن فيهم مدير مجلس الأمن القومي خوان غونزاليس والمبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون الأسرى روجر كارستينز، تم إرسالهم إلى العاصمة الفينزولية كاراكاس خلال عطلة نهاية الأسبوع، لإجراء محادثات حول هذه القضية، وكذلك لمناقشة قضية المواطنين الأمريكان المحتجزين حاليا في البلاد.
من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الأحد، إن الولايات المتحدة وحلفاءها يبحثون بنشاط عن طرق لحظر واردات النفط الروسية ، مما يلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الروسي.
وما يعزز التحركات الأمريكية، هو تأكيد المصدر المصدر المطلع على المحادثات مع فنزويلا، إذ أكد أن مجرد زيادة إنتاج النفط الأمريكي لن يعوض الكمية المفقودة بحذر النفط الروسي.
من جانبه، انتقد السيناتور الجمهوري ماركو روبيو المحادثات الأمريكية، حيث غرد عبر حسابه على تويتر، قائلاً: “بدلاً من إنتاج المزيد من النفط الأمريكي، يريد بايدن استبدال النفط الذي نشتريه من ديكتاتور قاتل بدلاً من ديكتاتور قاتل آخر”.
يذكر أنه خلال العقدين الأخرين، وقعت البلاد في حكم اشتراكي دكتاتوري تناوب عليه كل من الرئيس الراحل هوغو تشافيز وخليفته الحالي نيكولاس مادورو.
تخبط غربي
ولايزال الغرب مترددًا حتى الآن في فرض عقوبات كبيرة على قطاع الطاقة الروسي بسبب كيفية تأثيره على الاقتصاد العالمي، لكنه يقترب الآن من القيام بذلك إذ تعمل أوروبا على تنويع مصادر الطاقة لديها.
إلا أن الصورة لا تزال مشوهة حول قرار أوروبي وغربي موحد ضد قطاع الطاقة الروسي، الذي ينأى به الغرب عن الصراع وعن عقوباته الصارمة منذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
إذ قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الاثنين إن عقوبات الطاقة المنسقة ضد موسكو ، بما في ذلك حظر النفط الروسي، ما زالت “مطروحة إلى حد كبير”.
وفي حديثه خلال مؤتمر صحفي إلى جانب نظيريه الهولندي والكندي في لندن، قال جونسون إن “الشيء الصحيح” هو الابتعاد عن الهيدروكربونات الروسية.
وحول تصريحات بلينكن التي أفادت أن الولايات المتحدة وحلفاءها يبحثون بنشاط عن طرق لحظر واردات النفط الروسية، قال جونسون: ” لم يكن مخطئً، أننا جميعًا نتحرك الآن بسرعة كبيرة جدًا ونرى أن شيئًا ربما لم نكن نفكر فيه قبل ثلاثة أو أربعة أسابيع، أصبحت الآن مطروحًا على الطاولة”.
وأضاف جونسون أن الدول بحاجة إلى النظر في كيفية الابتعاد عن النفط والغاز الروسي “بأسرع ما يمكن”.
وتابع جونسون: “سنعمل معًا للتأكد من أن لدينا جميعًا البدائل والإمدادات التي نحتاجها”.
على النقيض جاءت تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتز، إذ قال أن أوروبا لا تستطيع تأمين إمداداتها من الطاقة دون الواردات من روسيا.
وتابع شولتز في بيان صحفي الإثنين، إن الطاقة تم استبعادها عمدا من جولات العقوبات السابقة، مضيفا أن الطاقة الروسية لها “أهمية أساسية” في الحياة اليومية العامة لمواطنيها.
في غضون ذلك، قال وزير المالية المجري ميهالي فارجا إن حكومته لن تدعم أي عقوبات على الطاقة الروسية.
ففي مقطع فيديو على فيسبوك نُشر الاثنين، تحدث عن الضرر الكبير الذي أحدثته العقوبات الحالية على روسيا باقتصادها.
وقال:”أولئك الذين يطالبون بتوسيع العقوبات يريدون من الشعب المجري أن يدفع ثمن الحرب”.
لتعكس هذه التصريحات التضارب الغربي حول فرض عقوبات كبيرة على قطاع الطاقة الروسي، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على روسيا في 40٪ من احتياجاته من الغاز وحوالي 27٪ من واردات النفط.
الغرب لن يستطيع عزل روسيا إلا إذا..؟
وعليه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، على أن ما يمنع الغرب حتى الآن من توقيع عقوبات اقتصادية على قطاع الطاقة الروسي، هو أن أوروبا هي المتضرر في المقام الأول، وإن سد الفجوة الناتجة عن الاستغناء عن النفط أو الغاز الروسي شبه منعدمة حاليا.
وأوضح نافع في تصريحات خاصة لـ «أوان مصر» أن هذا ما جعل أمريكا تتنازل عن بعض الثوابت في سياستها الخارجية باللجوء إلى فنزويلا التي تقبع في الحضن الروسي، وإعادة العلاقات المرتبقة مع إيران.
وشدد نافع على أن الغرب لن يستطيع عزل أو تحييد روسيا إلا عن طريق تحييد قدراتها النفطية من خلال البحث عن بدائل بشكل عاجل، لزيادة المعروض، فقد تعهدت واشنطن على زيادة المعروض.
وحول بدائل الطاقة المتجددة، أوضح نافع أنه من الصعب الاعتماد عليها في الامد القريب، وذلك يرجع لتكلفتها العالية، وقدراتها على توليد الطاقة أقل بكثير من الوقود الأحفوري، كما أنها تحتاج وقت كبير للتطور، وهو ما لا يسمح به الوقت الراهن.
وحول التباين في الموقف الأوروبي، قال نافع أن قرار العقوبات الاقتصادية على روسيا لن يكون بالضرورة قرارا موحد من الغرب، حيث إن الدول التي ستقرر الاستغناء عن النفط الروسي هي من استطاعت توفير بديل له، ومن لن يستطيع لن يوقع عقوبات، مستشهدا بالرفض الألماني لتطبيق حظر سويفت في مجال الطاقة.
المخاوف الأمريكية تمنعها من الاقتراب من أسعار النفط
من جهته، قال الأستاذ أبو بكر الديب، الباحث في الاقتصاد السياسي، أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لزيادة المعروض في سوق النفط من خلال استقطاب فنزويلا وإيران الحليفتان الروسيتين، ومواصلة الضغط على الدول المنتجة للبترول، رغم إنها لم تذكر الحرب في آخر اجتماعها، كبقية على بتعهداتها السابقة بإنتاج ٤٠٠ مليون برميل في إبريل.
وأشار الديب في تصريحات خاصة لـ «أوان مصر» المخاوف الأمريكية تمنعها من الاقتراب من أسعار النفط حتى لا تتضاعف الأسعار، وهو ما سينعكس على المستهلك الأمريكي.
وأوضح إلى أن تحويل الدفة الغربية إلى بديل آخر للغاز الروسي صعب في الوقت الراهن، وأن البدائل المطروحة صعبة المنال، فالغاز المصري ليس قادر بالقدر الكافي تعويض الغاز الروسي كما أن الغاز الليبي متأثر بعد استقرار البلاد، والغاز القطري يحتاج مصانع مسالة في أوروبا فضلا عن تكلفة النقل العالية نظرا لبعد المسافة.