القرابة تعني القرب أو الدنو في النسب ، ولم يعرف المشرع المصري مفهوم القرابة تاركاً ذلك للفقهاء فقالوا أن القرابة هي الرابطة التي تربط بين شخص وآخر سواء كانت قرابة نسب أو مصاهرة ، ومن ثم فالقرابة هي صلة الشخص بأسرة معينة ، ويمكن القول بأن القرابة هي عضوية الشخص في عائلة معينة بسبب النسب أو المصاهرة ، حيث تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه .
ولقد حددت المواد من 34 حتي 37 من القانون المدني درجات القرابة ، واختصرتها في أربعة درجات ، فالقرابة من الدرجة الأولي تشمل الأب والأم والأبناء والزوج ، والقرابة من الدرجة الثانية تشمل الجد والجدة والأخ والأخت وأبن الأبن ، والقرابة من الدرجة الثالثة تشمل الأعمام والعمات والخال والخالات وأبناء الأخ وأبناء الأخت ، والأقارب من الدرجة الرابعة تشمل أبناء العم وأبناء العمة ، وأبناء الخال وأبناء الخالة .
ولقد رصدنا أن للقرابة تأثير في القانون الجنائي ، حيث تؤدي إلي إباحة الفعل المُجرم في بعض الأحيان ، بينما قد تؤدي إلي تجريم الفعل المباح في أحيان آخري ، وتوضيح ذلك فيما يلي :-
أولاً : صور إباحة الفعل بسبب القرابة :
من صور إباحة الفعل بسبب القرابة ، التأديب الذي يتم باستخدام التعدي بالضرب الخفيف سواء للزوجة أو للأولاد الصغار استعمالاً للحق ، ويستند ذلك إلي نص المادة 60 من قانون العقوبات التي تنص علي أنه : لا تسري أحكام قانون العقوبات علي كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضي الشريعة ” .
فللزوج بما له من حق في تأديب الزوجة بسبب رابطة الزوجية استخدام الضرب الخفيف غير المبرح ، ويستند هذا الحق إلي ما ورد من قواعد في الشريعة الإسلامية ، متي أتت الزوجة بسلوك يجعلها ناشزا ، وبشروط معينة تتضمن البدء بترتيب معين من الوعظ ، والهجر في المضاجع ، والضرب غير المبرح ، ومن ثم فإن رابطة الزوجية حولت الفعل المجرم إلي فعل مباح وفقاً لما رأينا .
ومن صور إباحة الفعل بسبب القرابة أيضاً ، ضرب الوالد لولده فيما يعرف بالتأديب ، فللوالد الحق في تقويم الصغير وتأديبه ، وينصرف ذلك إلي الصغار من البنين والبنات ، وله أن يستخدم في ذلك وسيلة الضرب غير المؤذي الذي لا يتجاوز الحد ولا يترك أثراً ، أو التقييد الذي يقيد حرية الصغير لبعض الوقت بدون تعذيب ، ويتضح من ذلك أن القرابة تمنح الحق في التأديب ، ويثبت هذا الحق للأب ، فيغير من الفعل المجرم فيجعله فعلاً مباحاً بسبب رابطة الأبوة .
تخفيف عبء الجريمة:
ونشير أيضاً إلي أن القرابة قد تخفف من عبء جرائم السرقة التي تقع بين الأزواج أو الأقارب ، حيث راعي المشرع ما بين أفراد الأسرة الواحدة من صلات فارتأي ضرورة الحفاظ علي هذه الصلات ، فاشترط ألا تكون المحاكمة إلا بناء علي طلب من المجني عليه ، وللمجني عليه أن يتنازل عن دعواه في أية حالة كانت عليها الدعوي ، كما له أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي علي الجاني في أي وقت شاء ، وهو ما نصت علي المادة 312 من قانون العقوبات التي نصت علي أنه :- ” لا تجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضراراً بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه إلا بناءً على طلب المجني عليه. وللمجني عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك في أية حالة كانت عليها، كما له أن يُقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني في أي وقت شاء ”
ثانياً : صور تجريم الفعل المباح بسبب القرابة :
أما تأثير القرابة علي تجريم الفعل المباح ، فنجدها في إضفاء الصفة غير المشروعة علي الفعل ، فجريمة الوطء غير المجرم وفق القانون الوضعي ، أو أي علاقة جنسية من التي لا يجرمها القانون الوضعي ، ومن هذه الأفعال فعل الزنا الذي يتم بالتراضي بين كاملي الأهلية ، فهذا الفعل لا يجرمه القانون الوضعي إذا وقع بالتراضي بين كاملي الأهلية بين غير المتزوجين، بعكس الشريعة الإسلامية الغراء التي تجرم وبحق كل وطء خارج علاقة الزواج ، وعند قيام صلة القرابة يتحول هذا الفعل غير المجرم في القانون الوضعي إلي فعل مجرم ، مراعاة لرابطة الزوجية فقط .
وبذلك يظهر دور رابطة الزوجية في تجريم فعل كان مباحاً ، فيتحول بسبب رابطة الزوجية إلي فعل مجرم في القانون الوضعي ، لأن للزنا في قانون العقوبات الوضعي معني اصطلاحي خاص ، يقتصر علي المتزوجين حال قيام رابطة الزوجية فعلاً أو حكماً .
فلم يّعرف القانون الوضعي الزنا ، ولكن خلص بعض الفقهاء إلى أنه عبارة عن قيام الرجل المتزوج بارتكاب الوطء بامرأة متزوجة بموافقتها وبإرادتها الكاملة، وإتمام العلاقة الجنسية الكاملة بينهما حكمًا أو فعلاً ، حيث يقوم الرجل المتزوج بتدنيس فراش الزوجية مع امرأة أخرى متزوجة بغيره مع موافقتها الكاملة، وانتهاك الحرمة الخاصة به والوطء بتلك المرأة .
فهذا الفعل لا يكون مجرم إلا في حال قيام رابطة الزوجية ، والدليل علي ذلك هو أنه لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها ، وفقاً لنص المادة 273 من قانون العقوبات .
كما تنص المادة 277 من قانون العقوبات علي أنه :- ” كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور ”
التشديد من عبء الجريمة بسبب القرابة :
بالإضافة إلي ذلك فإن للقرابة تأثير ملحوظ علي تشديد العقاب في بعض الجرائم كما في حالة جريمة الاغتصاب بين الأقارب ، أو هتك العرض .
وفيما يتعلق باغتصاب الأقارب تنص المادة 267 من قانون العقوبات علي أنه :- ” من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد ، ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة ، أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة .
فيلاحظ أن رابطة القرابة التي يتصف بها الفاعل ، إذا كان من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها ، تؤدي إلي تشديد العقاب حتي تصل إلي الإعدام .
هتك عرض الأقارب :
وفيما يتعلق بهتك العرض بين الأقارب تنص المادة 268 من قانون العقوبات علي أنه :- ” كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد ، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) ( إشارة إلي الأقارب ) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يُحكم بالسجن المؤبد ”
كما تنص المادة 269 من قانون العقوبات علي أنه :-
كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) ( إشارة إلي الأقارب ) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات ”
ويتلاحظ من خلال النصين المارين أن صلة القرابة تؤدي إلي تشديد عقوبة هتك العرض إلي السجن المشدد ، سواء وقع هتك العرض بتهديد أو بدون تهديد .
ومما تقدم يتضح أن للقرابة تأثير واضح في القانون الجنائي سواء بإباحة بعض الأفعال أو تجريمها .