إن من يقرأ التاريخ الإسلامى يعرف جيدًا أن الخليفة الراشد ” عمر بن الخطاب ” رضي الله عنه حينما تولى الخلافة قرأ الإسلام قراءة مختلفة، علي ضوء التطورات في عصره .
فالبرغم من أنه كان رجلاً يؤمن بالنصوص إيماناً مطلقاً ويخاف أن يفسر الآية من القرآن تحاشياً لأن يحملها من رأية ما لاتحتمل ، ومع ذلك لم يهدر الرأي يوماً ، ويؤمن بأن الطاعة المؤمنة لا تنفصل عن المعارضة الأمينة ، فعمر لم يكن بطبيعته رجل مسايرة ومتابعه ، ولكنه رجل إقتناع وتفكير .
التعامل مع المستجدات والنوازل :
يتعامل الرجل بشجاعة مع المستجدات والنوازل ، فيوقف حد السرقة في عام الرمادة،لشدة عوذ الناس،فيراعي ذلك فلا يطبق الحد.
ويفكر في فترة غياب الزوج عن زوجته ليحدد أقصي مدة غياب ويقرها بستة أشهر إلا بإذن الزوجة .
يقبل الحجر الأسود في الكعبة ثم يقول و كأنه يخاطبه ” إنك حجر لا تضر ولا تنفع ؛ والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك !!!
فهو يفكر في النطاق الذي يبعد عن الثوابت، فلا يمس أصلاً من أصول الدين.
ولست أعرف علي مر التاريخ ملهم محدث مثل عمر – رجل قوي عادل مجدد مطور
وَافَقْ الوحي فِي ثَلاثٍ مرات :-
–1- الأولي حين قال :- يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى , : فَنَزَلَتْ – وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى سورة البقرة آية 125 .
-2- والثانية حين قَالَ : : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ . : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ .
والثالثة حين : اجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ فِي الْغِيرَةِ قَالَ لهن : : عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ سورة التحريم آية 5 . : فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ ” .
التجديد فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتّمها الواقع :-
ومن هنا فقد أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتجديد الخطاب الديني كفريضة يوجبها الدين وضرورة يحتّمها الواقع ، وإذا كان الاجتهاد باب فتحه نبينا الكريم، لفهم الشرع فهما صحيحاً، فالمهم أن يدخل هذا الباب من كان أهلاً له، ومن يملك الشروط التي اتفق عليها العلماء لمن يريد الاجتهاد، وليس لكل من هب ودب أن يفتي الناس بما يشاء وكيفما يشاء، وخاصة أن عصرنا هذا لهو أولى العصور بتجديد الاجتهاد فيه ، وأصبح التجديد فريضة وضرورة .
ذلك لأن الظروف تتغير فلا تثبت علي حال ، ومن ثم تتغير الفتوي تبعاً لذلك تبعاً لتغير الزمان وتغير المكان والأعراف وغيرها من الأمور المستجدة وفقا لمقتضيات كل عصر .
ضوابط التجديد :
وهنا لا بد أن يوضع بعين الاعتبار أثناء التجديد ضرورة عدم تجاهل تيارات العصر، واتجاهاته الأدبية والمادية والسلوكية، ومشكلاته الواقعية، متسلحاً بخطاب يتبنى التيسير في الفتوى لا التعقيد من خلال عقيدة تؤمن بأن الإقتداء بالسلفية يقتضي قراءة متأنية للموروثات الفكرية والدينية وفقاً لسياقات عصرية مستحدثة .
ويكون ذلك وفقاً لمنهج واضح يقوم علي العطاء والتيسير بهدف الائتلاف والتعايش، ويرتكز علي العمل لا على الجدل والكلام، والانتقال من الفروع إلى الأصول، ومن التعسير إلى التيسير، وأن لا يعرف للجمود طريقا .