تنص المادة 98 فقرة ( و) من قانون العقوبات علي إنه :-
” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج -بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى – لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة ، أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها ، أو الإضرار بالوحدة الوطنية ”
وبالنظر لهذه الفقرة وما تضمنته من أحكام تجريم نجد إنها اضيفت إلي عـجز المادة 98 عقوبات المتعددة الفقرات ، تحت عنوان ( الباب الثاني – الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ،وهو ما يجعلنا نتوقف عند قراءة النص أمام ملاحظة شكلية هامة عن سبب عدم إيراد تلك الفقرة في وضعها الطبيعي مع المادتين 160 و 161 اللتان تعالجان -بحسب عنوان الباب الحادي عشر المندرجة تحته – الجنح المتعلقة بالأديان والتي ادرجتا بقانون العقوبات بذات القانون رقم 29 لسنة 1982 ، وهي ملاحظة جديرة بالنظر .
فتنص المادة 160 علي إنه :- ” يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين:
أولاً – كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بالعنف أو التهديد.
ثانياً – كل من خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزاً أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.
ثالثاً – كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها.
وتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات إذا ارتكبت أي منها تنفيذاً لغرض إرهابي.
وتنص المادة 161 علي إنه :- “يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدى شعائرها علنا. ويقع تحت أحكام هذه المادة:
(أولاً) طبع أو نشر كتاب مقدس في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدى شعائرها علنا إذا حرف عمدا نص هذا الكتاب تحريفا يغير من معناه .
(ثانياً) تقليد احتفال ديني في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به أو ليتفرج عليه الحضور .
ويتضح من ذلك المفارقة في وضع المادة 98 ( و ) من قانون العقوبات مع فقرات المادة 98 المتعددة والتي تعالج جرائم محاولة قلب وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري بالقوة ، واختطاف وتعريض وسائل النقل الجوى والبرى أو المائي للخطر ، وجرائم التمويل الخارجي والمنظمات الأجنبية وما شابه تلك الجرائم ، بالرغم من إنها تتعلق باستغلال الدين .
مما يجعلها فقرة شاذة في السياق التشريعي ليظهر الارتباك في وضعها ، والعشوائية في صياغتها ، فحينما نتجاوزها وننتقل إلي المادة 99 نجد السياق يعود مرة أخري لنسقه الطبيعي ، حيث تجرم المادة 99 ” حمل رئيس الجمهورية على عمل من خصائصه قانونا أو على الامتناع عنه بإستخدام العنف أو التهديد أو إيه وسيلة أخرى غير مشروعة ” ، ويستمر التناغم التشريعي في الأحكام الواردة في المواد التالية دون نصاً غريب حتى ينتهي الباب بالمادة 102 مكرر والتي تجرم ” إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ” ، وكل هذا يشير إلي وجود عدم تناسق تشريعي تـم به وضع هذه الفقرة في غير سياقها .
*
وإذا كان المشرع المصري يهدف بالتجريم الوارد في المادة 98 فقرة ( و ) من قانون العقوبات باستغلال الدين في ترويج أفكار متطرفة إلي حماية عدة مصالح وهي :- 1- أمن واستقرار البلاد ضد إثارة الفتنة 2- التصدي ومنع تحقير أو إزدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها 3- حماية الوحدة الوطنية
فلا يمكننا القول إن الصياغة بحالتها الحالية تعد صياغة منضبطة ، ولكن تعداد حرف ” أو ” بهذه الصورة ، وأختلاف معناه ، مرة بقصد الفصل والتعداد ، ومرة بقصد الجمع ؛ أدي إلي عدم وضوح قصد المشرع من النص ، فجاء بمعني الجمع في الحكم بين التحقير والإزدراء والطوائف الدينية في مرة ، وفي مرة أخري جاء بمعني التقسيم في العبارات بين جمل: إثارة الفتنة ، و تحقير أو إزدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها ، و الوحدة الوطنية .
كما إن وضع شرط أن يكون استغلال الدين بقصد إثارة الفتنة ، أو تحقير أو إزدراء الأديان ، أو الإضرار بالوحدة الوطنية ، فإن هذه الصياغة تضع سبب براءة الجاني في طياتها مهما كان قصده سيئاً ، فعادة ما يكون مظهر الجاني كمظهر المصلح الاجتماعي ، أو المعلم المثقف حينما يطعن في ثوابت الدين ويعبث بقواعده .
ولذلك فإننا نهيب بالمشرع في هذه الجريمة أن يضيق من تأثير القصد الجنائي في قيامها، بحيث تقوم مهما اتصف الركن المعنوي بالضعف ، لما لهذه الجرائم من أثر فادح الضرر علي أمن الدولة الداخلي ، ومن ثم يجب علي المشرع أن يقرر العقاب علي هذه الجرائم مهما كانت نية الجاني ، حتى وإن لم يقصد تحقيق نتيجة معينة .
فهي من قبيل الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي ، ويجب أن يكون لهذا الوصف تأثيره علي الركن المعنوي للجريمة ، فيتضائل الاهتمام الشديد بالركن المعنوي فيها ، بل إننا ننادي بأن يسوي القانون بين وقوعها بالعمد أو بالخطأ .
ولما كانت جريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة مبعثها أيديولوجية مناهضة ، تتمثل في الرغبة في إعادة تنظيم المجتمع وفق مقتضيات تتطابف مع هذه الأيديولوجية ، وهي ذات أغراض مرحلية تبدأ من هدم الأسس التي تقوم عليها معتقدات المجتمع بالتشكيك فيها وإزاحتها ، وسحب هذه المعتقدات ، وإحلال أفكار أخري بديلة ، وتغيير الأوضاع وفقاً لرؤية مختلفة ذات أغراض مناهضة .
وفي الغالب تكون أغراض وأهداف هذه الجريمة خفية ، كما يكون الباعث عليها غير معلن ، ولذلك يلزم أن تكون الخطة التشريعية لمواجهة هذه الجريمة تعتمد علي التجريم التحوطي المسبق بوضع النموذج التجريمي لها في قالب الجريمة الشكلية ذات السلوك ؛ حيث تمثل فكرة الخطر فيها أساس التجريم ، ويتحدد مناط العقاب عليها عند مرحلة إمكان تعريض المصالح القانونية محل الحماية للضرر.
لذلك فالأجدر بالمشرع أن تكون هذه الجريمة في سياقها الطبيعي ضمن الباب الحادي عشر المتعلق بالجنح المتعلقة بالأديان ، ومن جهة أخري يجب ضبط صياغتها بجعل وسيلة الجريمة وهي استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة جريمة مستقلة بذاتها ، كما يجب تجريم أي تحقير وازدراء للدين أو المساس بثوابته بنص مستقل .