إزاء سيل الألقاب والصفات التي يصف بها المنظرّون أنفسهم ، بداية من الادعاء بلقب الأستاذ الدكتور ، والباحث ، والكاتب ، ومروراً باللواء ، والمستشار والخبير الاستراتيجي ، والمحلل السياسي والاتصاف بهذه الألقاب بدون وجه حق ، فقد واجه القانون الجنائي هذه السلوكيات منذ أمد بعيد .
وتحت عنوان اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون حق تضمن الباب العاشر من الكتاب الثاني لقانون العقوبات وفي المادة 155 منه النص علي إنه :- ” كل من تداخل في وظيفة من الوظائف العمومية – مّلكية كانت أو عسكرية – من غير أن تكون له صفة رسمية من الحكومة ، أو إذن منها بذلك أو أجرى عملاً من مقتضيات إحدى هذه الوظائف يعاقب بالحبس “.
كما نصت المادة 156 من قانون العقوبات علي إنه :- ” كل من لبس علانية كسوة رسمية بغير أن يكون حائزاً للرتبة التي تخوله ذلك أو حمل علانية العلامة المميزة لعمل أو لوظيفة من غير حق يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة “.
كما نصت المادة 157 من قانون العقوبات علي إنه :- ” يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري كل من تقلد علانية نشاناً لم يمنحه أو لقب نفسه كذلك بلقب من ألقاب الشرف أو برتبة أو بوظيفة أو بصفة نيابية عامة من غير حق ” .
ولا شك أن سلوك اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون حق يمثل خطورة بالغة ، حيث يُعد اعتداء مباشرا على السلطة العامة وافتئاتاً صارخاً يهدد سلامة الدولة، ومن أجل هذا وجب العقاب علي هذه الجريمة التي تقع على الوظيفة العامة ، وتسبب البلبلة واللغط حينما يتحدث غير المتخصصين فيما لا يعلمون .
وفي الحقيقة فإن الأمر يكون واضح وسهل عندما ينتحل الشخص صفة موظف عام بدون وجه حق ، ويقوم بعمل من أعمال الوظيفة العامة ، فهنا تقوم الجريمة بكل وضوح ، فيقع ذلك الشخص تحت طائلة العقاب .
إلا أن الإشكالية تنشأعندما ينتحل الشخص صفة موهومة ، ويختلس لقب مزعوم ، كلقب الخبير أو المحلل أو الباحث ثم يتحدث بهذه الصفة ، متخذاً من هذا اللقب مرجعية علمية وثقافية يوهم بها الناس ، فيقعون تحت تأثير هذه الألقاب فريسة للأكاذيب والأخطاء والمغالطات التي يثرثر بها هؤلاء المختلسون المنتحلون.
والإشكالية الثانية تنشأ عن عدم تجريم مجرد الأدعاء دون ارتكاب عمل مادي من أعمال الوظيفة ، فالبرغم من أن نص المادة سالفة الذكر اعتبر مجرد التداخل في الوظيفة سلوك تقوم به جريمة اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون حق ، إلا أن أحكام القضاء فسرت التداخل بإنه الادعاء المقرون بإجراء عمل من أعمال الوظيفة ، فإذا اقتصر الأمر علي مجرد انتحال صفة الموظف العام دون القيام بعمل من أعمال الوظيفة ، فإن مثل هذا الشخص لا يقع تحت حكم المادة 155 من قانون العقوبات، و إنه لا جريمة إذا لم يحصل ممارسة فعلية لعمل من أعمال الوظيفة العامة .
ولذلك ومما سبق يتضح أن الباب العاشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات أصبح غير كاف لمواجهة طوفان الألقاب ، وأختلاس الوظائف والاتصاف بها بدون حق ، ومظهر عدم الكفاية يبرز من وجهين :-
الأول : أن أختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون وجه حق لم يقتصر علي الوظائف العامة فقط ، فهناك إلقاب لا تتبع الوظيفية العامة كالخبير والباحث والكاتب والمحلل ، فكل هذه الألقاب التي يستخدمها المنتحلون ليست من الوظائف العامة ، ومن ثم يجد الجاني مخرجاً للإفلات من العقاب عن طريق هذه الثغرة .
الثاني : اشتراط ارتكاب فعل مادي من أعمال الوظيفة ليقترن باختلاس اللقب حتي تقوم الجريمة ، وذلك يعد فجوة كبيرة ينفذ منها الجاني ، حيث يقوم بارتكاب جريمته باختلاس الألقاب والتسمي بالأوصاف والدرجات العلمية ، ولكنه لا يقع تحت طائلة العقاب بحجة أنه لم يرتكب فعل مادي من أعمال الوظيفة ، بالرغم من أنه ظهر وتحدث وتصرف وهو مختلس للألقاب ومتصف بالأوصاف بدون وجه حق .
ولذلك فإن الدعوة ما زالت موجهة للمشرع للتدخل التشريعي لمواجهة سيل الألقاب والأوصاف ، وسد الفجوات التي ينفذ منها المختلسون والمنتحلون لمنعهم من ارتكاب هذه السلوكيات المضرة بالمصلحة العمومية للبلاد .