الوظائف الإجتماعية للرجال والنساء هي التي حددت مكانة كلا منهما وهذا ما نجده ونلمسه علي صعيد الواقع الإجتماعي علي مر العصور لذلك أري أن الأصل منذ بداية الخليقة الإنسانية هي المساواة بين الرجال والنساء من حيث التدبير لشؤون الحياة الإنسانية من أجل البقاء وأيضا الإستقلال بالإرادة والعمل وأجد أن الله ميز النساء أيضا بصفات أخري تتميزن بها مثل التكوين الجنسي ورقة الشعور ولطافة التكوين الجسدي لها وهذه صفات لها تأثير علي وظائفها الإجتماعية وأيضا ما تمتلكه من صفات تجعلها يعتمد النوع في بقائه في الحياة وأري أن في هذا تمييز عن الرجال..
أجد أن حقيقة الخلاف في طرح قضية المساواة بين الرجال والنساء ظهرت من خلال العصور الحديثة التي اتسمت بغياب التعقل وسيادة العاطفة ومحاولات الرجال بأقصى جهودهم إلي حجب النساء عن نيل حقوقهن كاملة مثلما حددها الله لهن في كافة الرسالات السماوية ومن هنا بدأت المشكلات التي جعلتنا نطالب بمبدأ المساواة بين الرجال والنساء لمنع كافة الخلافات بين الطرفين..
فهذا الخلاف كان سببا أصيلا في بناء الحركات النسوية علي ركيزة أساسية بأن المرأة لاتعامل بمبدأ المساواة لكونها امرأة في المجتمع الذي يحدد أولوياته وينظم كافة شؤونه الرجل علي حسب منظوره وأفكاره ومعتقداته فقامت النظرية النسوية علي أسس وجوانب ثقافية وفكرية وتاريخية متعددة ونالت علي تأييد الجميع في شتي أنحاء العالم ومن هنا انطلقت النسوية الليبرالية التي اعتمدت علي أن جميع البشر خلقوا متساويين ولا يجب حرمناهم من هذا الحق من المساواة بسبب النوع الجنسي فاعتمدت علي المذهب النسوي الليبرالي الذي يعتمد علي كافة معتقدات عصر التنوير الذي نادي بالإيمان بأن النساء والرجال يتمتعان بنفس العقلانية الرشيدة وأن التعليم وسيلة لتغيير المجتمعات والايمان بمبدأ الحقوق الطبيعية للرجال والنساء بما أنهما متماثلان من حيث طبيعة الوجود الإنساني..
فالنسوية الليبرالية مصطلح شامل جامع لعدد كبير من الآراء والأفكار علي مبدأ السعي في تحقيق مجتمع يسوده الإحترام والمساواة وتوظيف كافة القدرات والإمكانيات والطاقات في مكانها الصحيح والمناسب لها والتأكيد علي الإتجاه النسوي الفردي للمطالبة بكافة الحقوق المدنية والسياسية في إطار مجتمع ينهض بناءه علي منح الذكور والإناث مزيدا من الحرية والديمقراطية وقد حقق هذا الإتجاه تقدما ملحوظا وملموسا وخاصة في الأمور المتعلقة بقوانين الطلاق ورعاية الأطفال وحقوق التعليم فأصبحت المبادئ الليبرالية سلاح مهم للمطالبة بكافة الحقوق السياسية والمدنية للمرأة في إطار مجتمعات تقوم علي منح الذكور جميع الحقوق وحرمان الإناث منها وأيضا لم ترفض النسوية الاشتراكية وقتها مبادئ وقضايا النسوية الفردية الليبرالية الخاصة بكافة مبادئ الحرية والمساواة ولكنها اعترضت علي تطبيق هذه المفاهيم المتعلقة بقيمة ومكانة الأفراد المنفصلين اجتماعيا عن حياتهم ويدركون فقط بوصفهم أفراد مستقليين أكثر من إدراكهم في إطار الحياة الإجتماعية العامة لأن الفكرة الأساسية التي قامت عليها النسوية الاشتراكية بأن الزواج البرجوازي يعاد انتاجه علي هيئة صراعات وتناقضات المجتمع البرجوازي الأكبر والأشمل وأن الزوجات يمثلن الطبقة المضطهدة وأن السلطة الأبوية في هذه الطبقة هم أصحاب الأعمال والأملاك من الرجال كأعداء رئيسين للمرأة وهذا الصراع ينعكس بصراع أكبر حيث تشتغل النساء في سياق الرأسمالية لذلك وجدوا أن المساواة التي تطالب بها النسوية الليبرالية ليس لها معني من وجهة نظر النسوية الاشتراكية التي ينادون بتحقيقها حيث لا يمكن أن تتحقق المساواة بين جماعة مضطهدة في ظل مجتمع فاسد فاتفقوا علي ضرورة إلغاء كافة أشكال التمييز لحل كافة التناقضات الطبقية وذلك من خلال تنمية الفكر والوعي لمساعدة النساء علي فهم كافة أشكال الإضطهاد وذلك من خلال وجود نقاشات واعية مثمرة يحرر كل أطراف العلاقة من كافة القيم والموروثات والتقاليد التي ساهمت في بناء مجتمع فاشل يحمل كل أوجه الإضطهاد والعنف لذلك نادوا بتغيير وضع النساء في كافة المجالات العامة والخاصة لإعطائهن حقوقهن الكاملة في الحرية وأن النوع البيولوجي لا يحدد حقوق النساء نهائيا.
.
فالنسوية الليبرالية تعد نمطا فردانيا من النظرية النسوية نفسها وتؤكد علي قدرة النساء في حفظ مساواتهن من خلال أفعالهن واختياراتهن الخاصة وتؤكد علي جعل الحقوق القانونية والسياسية للنساء متساوية مع الرجال فالنسويات الليبراليات يهتمون بتصحيح المفاهيم والاعتقادات الخاطئة في المجتمعات والتي منها أن طبيعة النساء الفكرية والجسديةأقل بكثير من الرجال وهذا الإعتقاد يستدرج المجتمع إلي التميز ضد النساء في جميع المجالات المختلفة كما أنهم يعملون علي تحرير النساء من كافة القوانين والقيود العرفية والمجتمعية التي تقف عائق أمام النساء في مجالات مختلفة في الحياة ودائما يسعون إلى تحقيق المساواة بين الرجال والنساء مع العلم أنه لم يتحقق ذلك إلا بالمشاركة الايجابية والتعاون البناء بينهم بشكل سليم وحقيقي فنجد أن حل مشكلة النساء في المجتمعات العربية تكمن في تغيير القوانين والسياسات الخاصة بقضايا النساء بشكل إصلاحي وبدون تغيير جذري في المجتمعات فالمرأة هي فرد أساسي في المجتمع قادرة علي أن تحقق ذاتها بصورة تتساوي مع الرجل حتي في ظل المجتمع الذكوري فكل سيدة قادرة علي التغيير والإختيار وأن النساء والرجال لهما الحق في المساواة في كافة الحقوق والإحترام..
وفي نهاية حديثي لا بد وأن أوضح أن التيار النسوي الليبرالي كان له دور مهم في التغير الذي طرأ علي أوضاع النساء وكان له أثر قوي للتحول الهائل الذي حدث في المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين وساهم في ظهور طبقة نسائية كانت تختفي وراء الأسوار وكانت لا تستطيع أن يكون لها دور إيجابي في الحياة العامة والسياسية ومن خلال ذلك اهتموا برفع مستوي النساء من كافة الجوانب الأدبية والثقافية والإجتماعية لكي تتمكن من أن تتشارك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات ولازال التيار الليبرالي مستمرفي استكمال هذه المبادئ والأهداف لتحقيق حياة أفضل لكل النساء من خلال تغير بعض القوانين وأيضا من خلال التوعية الشاملة لهن في كافة الأمور المجتمعية والسياسية حتي يقمن باستكمال قدرتهن ومسيرتهن في رحلة التمكين الحقيقي في بيئة عادلة سوية ومجتمع راقي واعي يساعدهن علي تحقيق أهدافهن وذلك لأن كل سيدة تمثل للمجتمع البقاء وبدونها يختل توازن المجتمع ويزعزع بقاءه.