هل خان المثقفون “الفكرة”؟ فكرة الجمهورية الجديدة؟ وهل تغافل المفكرون عن “الحالة”؟ حالة تغيير واقع المجتمع؟ ما أراه من فعل المثقفين يمثل- في تقديري- حالة “توهان” كامل، وغياب غير نبيل.. المثقفون لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، رأيتهم بأم عيني يسيرون نيامًا غير عابئين، ولا مهتمين إلى أين هم ذاهبون.. تزاحم المثقفون في منطقة نائية عن جغرافية الفكرة التي صاغها الرجل المصلح الذي يشغل أصعب منصب في البلاد، وهو رأس الدولة..
الرئيس يشير بإصبعه إلى القمر، والمثقفون ينظرون فقط إلى إصبعه.. مَن مِن المثقفين صاغ مشروعًا ثقافيًّا متكاملًا عن حالات التغيير التي تشهدها مصر؟ مَن مِن المفكرين غاص في أعماق أعماق الفكرة، وخرج منها بسطور مضيئة تنير الطريق أمام الباحثين عن البوصلة؟ مَن مِن المثقفين نظم قصيدة تتغنى بها الجماهير في المناسبات الوطنية؟ مَن مِن المثقفين وقف وسط الجماهير ليشرح لهم ما لديه من أفكار.
ويجيب عن أسئلتهم وتساؤلاتهم دون تسطيح؟ لماذا اكتفى المثقفون في بلادي بالجنوح بعيدًا عن حلبات الاشتباك الإيجابي مع الأحداث؟ ربما تسمع من بعضهم تبريرات، “وينبغيات”، ينبغي وينبغي.
وربما تجلس مع أحدهم وتخرج من تلك الجلسة بصفر كبير. الدولة المصرية الحالية غير محظوطة بمثقفيها المنسحبين من الاشتباك الفكري والثقافي.. نحن بحاجة ماسة إلى طه حسين، والعقاد، والمازني، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس، وثروت عكاشة، وعبدالقادر القط، ولطفي السيد، ومحمد “حسين وحسنين” هيكل، والرافعي.. نحن بحاجة إلى أم كلثوم، وعبدالوهاب، وعبدالحليم، حتى نحن بحاجة إلى تحية كاريوكا، التي قال عنها الزعيم عبد الناصر إنها بـ ١٠٠ رجل. السيسي يصنع ما لم يصنعه كل الزعماء السابقين، لكنه يعمل دون وجود مثقفين ومفكرين يحملون أفكاره، ويبشرون بها المجتمع، ويعيدون صياغتها في صور متعددة، يتعامل معها الناس بحب وقناعة. لماذا تركنا الرئيس يقاتل بمفرده، وقلنا له: اذهب أنت وقاتل، إنا ها هنا قاعدون؟