تحولات كبيرة في حياة شجر الدر التي حكمت مصر في يوم من الايام فـ بعد أن كانت جارية متملكة أصبحت ملكة متوجة تفاصيل مرعبة في قصة وفاتها فذكر المؤرخون قصص كثيرة عن وفاتها، ولا أحد يعرف أصلها حتى الأن قيل أصل تركي وقيل خوارزمي وقيل إنها أرمينية، إشتراها شخص يدعى “الصالح أيوب”، قبل أن يكون سطاناً، وقد رافقته في فترة إعتقاله في “الكرك”، سنة 1239 مع مملوك له اسمه “ركن الدين بيبرس””، وقد أصبح سلطاناً فيما بعد سنة 1260م، وكانت الجارية هي “شجر الدر”، وأنجبت ولد اسمه “خليل”، ولقب فيما بعد بـ “الملك المنصور”، وبعد ما خرج “الصالح”، من السجن ذهبت معه إلى مصر وتزوجا.
مكلة مصر
وبعد أن أصبح سلطان مصر سنة (1240 م)، أصبحت تنوب عنه في الحكم عندما يكون خارج مصر. في أبريل 1249 م، وكان الصالح أيوب في الشام يحارب الملوك الأيوبيين الذين ينافسونه على الحكم وصلته أخبار أن ملك فرنسا لويس التاسع الذي أصبح قديساً بعد وفاته. في قبرص، وفي طريقه لمصر على رأس حملة صليبية كبيرة حتى يغزوها بالقرب من دمياط على البر الشرقي للفرع الرئيسي للنيل، حتى يجهز الدفاعات لو هجم الصليبيون عليهم.
وبالفعل في يونيو 1249 م، نزل فرسان وعساكر الحملة الصليبية السابعة من المراكب على بر دمياط ونصبوا خيمة حمراء للملك لويس، وقد انسحبت العربات التي كان قد وضعها الملك الصالح في دمياط للدفاع عنها فاحتلها الصليبيون بسهولة وهي خالية من سكانها الذين تركوها عندما رأو هروب العربات، فحزن الملك الصالح من هذا وأعدم عدداً من راكبي العربات بسبب جبنهم وخروجهم عن أوامره.
وانتقل الملك الصالح لمكان آمن في المنصورة، وفي 23 نوفمبر 1249 م توفي الملك الصالح بعد أن حكم مصر 10 سنين وفي لحظة حرجة جداً من تاريخها، استدعت “شجر الدر”، قائد الجيش المصري “الأمير فخر الدين يوسف”، ورئيس القصر السلطاني “الطواشي جمال الدين محسن”، وقالت لهم إن الملك الصالح توفى وأن مصر الآن في موقف صعب من غير حاكم، وهناك غزو خارجي متجمع في دمياط، فاتفق الثلاثة أن يخفوا الخبر حتى لا تضعف معنويات العساكر والناس ويتشجع الصليبيون.
شجر الدر تنقل جثمان الملك الصالح
وفي السر ومن غير أن يعلم أحد نقلت شجر الدر جثمان الملك الصالح في مركب على القاهرة ووضعته في قلعة جزيرة الروضة ومع أن الصالح بن أيوب لم يوص قبل أن يموت بمن يمسك الحكم من بعده، إلا أن شجر الدر بعثت زعيم المماليك البحرية ” فارس الدين أقطاى الجمدار ” على حصن كيفا حتى يستدعي ” توران شاه ” ابن الصالح أيوب ليحكم مصر بدل أبيه المتوفى، قبل أن يتوفى الصالح أيوب كان أعطى أوراقا على بياض لشجرة الدر حتى تستخدمها لو مات، فبقيت شجر الدر والأمير فخر الدين يصدران الأوامر السلطانية على هذه الأوراق، وقالا إن السلطان مريض ولا يستطيع مقابلة أحد وكان يتم إدخال الطعام للغرفة التي كان من المفروض أن يكون نائما فيها حتى لا يشك أحد وأصدرا أمرا سلطانيا بتجديد العهد للسلطان الصالح أيوب وتنصيب ابنه توران شاه ولي عهد للسلطنة المصرية، وحلفا الأمراء والعساكر.
الزواجة الثانية
عندما تولت شجر الدر الحكم جاءت ردود الفعل غاضبة ورافضة لأن تتولى العرش إمرأة، فحينها أدركت شجرة الدر بذكائها أنه لا بد من وجود رجل بحياتها لكي يساندها ولا يضيع العرش منها، وعندها تزوجت من الأمير “عز الدين أيبك التركماني”، وبعد أن بلغت شجرة الدر سن الخمسين من عمرها بدأ الأمير عز الدين يخطط لمستقبله ومن سيتولى العرش من بعده، خاصة أن شجرة الدر لن تستطيع الإنجاب لكبر سنها، فقرر أن يتزوج من ابنة “بدر الدين لؤلؤ”، حاكم الموصل حينئذن، وعندها ساءت علاقته بشجرة الدر وغضبت منه بعد أن علمت أنه ينوي الزواج، وقررت أن تقضي عليه عن طريق غلمانها، ويذكر المؤرخون أنّها اغتالته بضربِة على رأسه الضربة الأولى بالقبقاب، ثم تابع الغلمان ضربه حتى مات، وقد ثاروا أنصار عز الدين أيبك على شجر الدر وهاجموها ثم قادوها إلى أحد أبراج القلعة لتلبث سجينة فيها ومجرّدة من نفوذها، ثم نادوا بابن عز الدين من جاريته وهو نور الدين ملكاً على مصر والشام، وأعطوه لقب الملك المنصور، فقامت شجرة الدر باستجماع من بقي من أعوانها وقتلت الطفل نور الدين.
مقتل شجر الدر
لم تكن شجر الدر لترضى بدور سوى دور البطولة في حياة من يشاركها، لا تريد سوى العرش والسلطنة، هكذا كانت مع الصالح نجم الدين أيوب، وهكذا أصبحت حين صارت “السلطانة”، وكانت لن تقبل أن تكون الجارية التي تنتظر سيدها في فراشه، فأمرت أيبك بأن يُطلق زوجته “أم على” فرفض، ثم علمت بأنه يريد أن يخطب ابنة ملك الموصل بدر الدين لؤلؤ، كما ذكرنا، وهى أميرة حرة، فاشتعلت “حرب الضرائر” في بلاط المعز أيبك.
توجس المعز خيفة من مكائد شجر الدر، فترك القلعة وذهب إلى قصره بـ”مناظر اللوق” على نيل القاهرة، لكن شجر الدر بقيت تلاطفه حتى صعد إليها، وهناك أنهت حياته بمكيدة دبرتها مع بعض الخدم فقتلوه خنقاً في الحمام، وأشاعوا أن السلطان قد داهمه الموت فجأة، لكن هذه الحيلة لم يصدقها كبير قواده سنجر، وولده المنصور على، الذين قبضوا على شجر الدر وأودعوها “البرج الأحمر” فى قلعة الجبل”.
وفى “ضريح شجرة الدر بالسيدة نفيسة”، كان مشهدا دمويًا ينتظر شجر الدر ليكتب السطور الأخيرة من حياتها بلون الدم، فقد سلمها “المنصور على” الذى صار سلطاناً لوالدته أرملة أيبك، التي أمرت جواريها بضرب شجر الدر بالقباقيب على رأسها حتى ماتت، ثم أمرت والدة السلطان بتجريدها من ثيابها وإلقاءها من أعلى أسوار القلعة في يوم السبت الثالث من مايو عام 1258، 23 من ربيع الأول سنة 655هـ .
ظلت شجر الدر في العراء ثلاثة أيام، حتى حملها رجل من العامة، وأودعها تربتها التي شيدها قرب ضريح السيدة نفيسة، وفرقت والدة المنصور، وهكذا أُسدل الستار عن أشهر النساء وصولاً إلى السلطة في التاريخ الإسلامي.