في ظل المرحلة الانتقالية التي تعيشها ليبيا متجهة نحو البحث عن دعم استقرار أركان الدولة وتثبت مختلف مؤسساتها، تؤكد الدراسات السياسية أهمية الدور الأمريكي والأوروبي وضرورة التنسيق المشترك لخلق حالة من الأمن والاستقرار لليبيا، باعتبارها ضرورة ومصلحة استراتيجية مشتركة.
ورغم أن إدارة بايدن شددت على أن أولويات سياستها الخارجية ستكون متجهة نحو آسيا وبعيداً عن الشرق الأوسط، إلا أن التركيز المبكر على معالجة الأزمة في اليمن، وإعادة ضبط العلاقة بين الولايات المتحدة وبعض الدول، وتطوير مقاربة لتجديد الدبلوماسية مع إيران، تشير إلى أن البيت الأبيض سيستمر في التركيز على بعض المناطق في المنطقة على الأقل ومنها ليبيا.
وتشير دراسة “معهد واشنطن” للباحث “بين فيشمان” المدير السابق لشؤون شمال إفريقيا والأردن في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي، إلى أن ليبيا تشكل تحدياً يتجاوز منطقة الشرق الأوسط ويجب أن يُنظر إليها على أنها أولوية أمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما أن عدم الاستقرار المستمر في ليبيا يشكل تهديدات لأوروبا من خلال الهجرة والإرهاب، حيث اجتذبت الحرب الأهلية آلاف المقاتلين الأجانب والمرتزقة .
والأمر الأكثر إثارة للقلق ـ بحسب الدراسة ـ بالنسبة لحلف “الناتو”، هو وجود ما يقدر بنحو 2000 من مرتزقة أجانب لا يزالون محصنين بطائرات مقاتلة متقدمة تهدد الجناح الجنوبي لحلف “الناتو”. ويمنح الوضع فرصة مثالية لإدارة بايدن لإظهار كيف يمكن أن يساعد إنعاش التحالفات في الحفاظ على الاستقرار في منطقة ذات أهمية مشتركة للولايات المتحدة وأوروبا.
وطرحت الدراسة عدة صور للاهتمام الأمريكي بأمن واستقرار ليبيا، تمثل أهمها، في إحاطة قدمتها سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، “ليندا توماس- جرينفيلد”، إلى مجلس الأمن الدولي في 23 مارس الجاري، حددت الأولويات الأمريكية في ليبيا على أنها “الوحدة، والشفافية، والانتخابات الحرة والنزيهة”.
وشددت “ليندا توماس” على أن واشنطن تتوقع من “حكومة الوحدة الوطنية” أن تستخدم أموالها لتلبية احتياجات ليبيا بأكملها، وأن تكون شفافة وأن تحافظ على الجدول الزمني لانتخابات 24 ديسمبر المقبل المنصوص عليه من قبل “ملتقى الحوار السياسي الليبي” وأكده المرشحون ومن بينهم رئيس الوزراء الدبيبة.
وتؤكد سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، أن النظام الليبي الجديد، سيتطلب دعماً نشطاً من الولايات المتحدة، يشمل تنسيق عمل حلفائها الأوروبيين وضمان استمرار تركيزهم ووحدة جهودهم، وليس من الضروري ـ بحسب ليندا توماس” ـ دائماً أن تجلس الولايات المتحدة في وسط الطاولة وتقود جميع المناقشات، ولكن يجب أن تكون حاضرة ومستعدة للتدخل في حالة تعرقل التقدم.
وتؤكد دراسة “معهد واشنطن” أن ثمة مسارات أخرى للاهتمام الأمريكي بالاستقرار الليبي، والدعم الفني الأمريكي من خلال البرامج الهادفة لمساعدة “المفوضية الوطنية العليا للانتخابات” في ليبيا، حيث تشارك الولايات المتحدة أيضاً في رئاسة مجموعة عمل دولية لتوحيد المؤسسة المالية الليبية بعد سنوات من وقف تعاملها معها.
وذكرت الدراسة أن المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 21 مارس الجاري مع رئيس الوزراء الليبي المعين حديثاً عبد الحميد الدبيبة، عبرت عن عودة ظهور الولايات المتحدة في الجهود الرامية لمعالجة مسألة العملية الانتقالية المطولة والعنيفة في كثير من الأحيان في ليبيا – وهو خروجٌ عن المسار الذي اتبعه الرئيس دونالد ترامب خلال سنوات حكمه.
وحددت دراسة “بين فيشمان” الوضع الأمني الليبي باعتباره من أهم المجالات البالغة الأهمية التي يمكن للولايات المتحدة المساعدة فيه، حيث شدد الوزير “بلينكين” و “السفيرة توماس-جرينفيلد” على: “وجوب قيام جميع الجهات الفاعلة الخارجية المشاركة في هذا الصراع بوقف تدخلها العسكري، واحترام اتفاق وقف إطلاق النار الليبي، والبدء في الانسحاب من ليبيا على الفور”.
وتؤكد الدراسة أنه جنباً إلى جنب مع الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، يجب على واشنطن الضغط على الدول الأخرى لسحب مرتزقتها وقصر أنشطتها العسكرية على التدريبات والتخلص من الذخائر المتفجرة.
وتنتهي الدراسة إلى أنه لدى الولايات المتحدة اليوم فرصة لإعادة الانخراط في الملف الليبي من خلال تحالفاتها للمساعدة على إرساء الاستقرار في ليبيا ومنع التجاوزات من قبل الدول الأخرى.