هناك حالات يكون من شأن تنفيذ العقوبة فيها أثر عكسي ، فلا تحقق العقوبة أي غرض من أغراضها ، بإثارة حفيظة المحكوم عليه ودفعه دفعاً إلى الإنزلاق أكثر للاستمرار في جرمه الذي كان عليه ، فيكون من الأفضل وقف تنفيذ العقوبة المقضي بها ، ووضعه تحت ضغط واختبار لمدة محددة ، بما يحقق ردعه وضبطه ، فيكون ذلك بمثابة تأديب وتهذيب له ، إذا رأت المحكمة من خلال أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة أنه يجدي معه هذا الوقف .
ونشير إلي أن وقف تنفيذ العقوبة لا يمس أركان الجريمة ولا ثبوتها في حق المتهم وإدانته بها، بل إنه صدر بالفعل الحكم بإدانته والنطق بالعقوبة المقررة قانونا، و لكن تبقى مسألة تنفيذ هذه العقوبة خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي، الذي إذا ثبت له توافر شروط وقف تنفيذها ، فإنه قرر ذلك وفقاً للقانون .
ولقد تضمن القانون نظام وقف التنفيذ في عدد من المواد التي تسمح للقاضي في القضايا التي تكون عقوبتها الغرامة أو الحبس لمدة لا تزيد عن سنة أن تعلق تنفيذ العقوبة ، وهي المواد من 55 حتي 59 من قانون العقوبات والتي تعرف بمواد وقف التنفيذ .
ولقد نصت المادة 55 من قانون العقوبات علي إنه :- ” يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون ، ويجب أن تبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ ، ويجوز أن يجعل الإيقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم.
ويتضح من ذلك أن وقف تنفيذ العقوبة يكون في الحالة التي تتم فيها إدانة المتهم والحكم عليه بعقوبة مع تعليق تنفيذها على شرط موقف خلال فترة زمنية يحددها القانون، فإن لم يتحقق الشرط أعتبر الحكم بالإدانة كأن لم يكن .
وفي الحقيقة فإن نظام وقف التنفيذ يكون مجدياً مع بعض الأشخاص الذين لا يكون هناك جدوي من تنفيذهم للعقوبة ، ويكون من الأفضل الاكتفاء فقط بمجرد إدانتهم ، حيث تكون الإدانة كافية بذاتها لردع الجاني .
ومن جهة آخري فإن وقف التنفيذ يضع هذا الجاني تحت التهديد بالتنفيذ لمدة ثلاث سنوات ، وهو ما يضمن عدم عودته للجريمة خلال هذه المدة .
حالات إلغاء حكم وقف التنفيذ :
قرر المشرع أنه يجوز إلغاء الحكم بوقف التنفيذ في حالتين عملاً بحكم المادة ٥٦ من قانون العقوبات التي تنص علي أنه يصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائياً ، ويجوز إلغاء وقف تنفيذ العقوبة في حالتين :
الحالة الأولى :- وهي حالة الحكم بالحبس أكثر من شهر لجريمة ارتكبها المحكوم عليه في خلال مدة الثلاث سنوات ، وهذه الحالة مقتضاها أن تكون فترة التجربة قد شابها صدور حكم على الشخص الذي يوقف التنفيذ بالنسبة له وذلك لارتكابه جريمة بعد الحكم بإيقاف التنفيذ أو قبله وأن يكون هذا الحكم بالحبس لمده أكثر من شهر ، ويستوي أن يكون عن جريمة ارتكبها قبل الإيقاف ولم يحكم فيها إلا بعده أو عن جريمة ارتكبت بعد الأمر بالإيقاف ، وأن يصدر الحكم في خلال الثلاث سنوات التالية لتاريخ صيرورة الحكم بالإيقاف نهائياً ، فإذا صدر بعد انقضائها فإنه لا يجيز الإلغاء حتى ولو كانت الجريمة التي صدر فيها قد وقعت في فترة السنوات الثلاث المذكورة .
أما الحالة الثانية :- فهي إذا ظهر في خلال مدة السنوات الثلاث أن المحكوم عليه صدر ضده قبل الايقاف حكم كالمنصوص عليه في الفقرة السابقة ولم تكن المحكمة قد علمت به ، والمقصود بذلك مواجهة الحالة التي يكون فيها المحكوم عليه قد سبق أن صدر ضده حكم يظن معه أن المحكمة ما كانت لتوقف التنفيذ بالنسبة له لو كانت تعلم به فأجاز الشارع لها عند العلم بهذا الحكم إلغاء الإيقاف إذا رأت أن المتهم لا يستحق ، وأنها لو كانت تعلم بهذا الحكم وقت الأمر بالإيقاف لما أمرت به .
ويصدر الحكم بالإلغاء من المحكمة التي أمرت بإيقاف التنفيذ بناء على طلب النيابة العمومية بعد تكليف المحكوم عليه بالحضور.
وإذا كانت العقوبة التي بني عليها الإلغاء قد حكم بها بعد إيقاف التنفيذ جاز أيضا أن يصدر الحكم بالإلغاء من المحكمة التي قضت بهذه العقوبة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العمومية.
ومفاد ما تقد أن نظام وقف التنفيذ ينصرف أثره إلى إجراءات تنفيذ العقوبة من خلال عدم اتخاذ هذه الإجراءات خلال المدة المحددة، بشرط عدم ارتكاب المحكوم عليه أية جريمة خلال تلك المدة التي تعد بمثابة فترة تجربة له، فإذا اجتازها بنجاح وأثبت حسن سلوكه من خلال الندم والتوبة والامتناع عن مخالفة القانون سقط الحكم بالعقوبة واعتبر كأن لم يكن، أما إذا ارتكب جريمة خلال تلك المدة ألغي وقف التنفيذ .
أثر الحكم بإلغاء وقف التنفيذ
نصت المادة 58 من قانون العقوبات علي إنه يترتب على الإلغاء تنفيذ العقوبة المحكوم بها وجميع العقوبات التبعية والآثار الجنائية التي تكون قد أوقفت.
ووفقاً للمادة 59 فإنه إذا انقضت مدة الإيقاف ولم يكن صدر في خلالها حكم بإلغائه فلا يمكن تنفيذ العقوبة المحكوم بها ويعتبر الحكم بها كأن لم يكن.
ويتضح من ذلك أنه إذا تم إلغاء الحكم بوقف التنفيذ فإنه يتم اتخاذ إجراءات التنفيذ التي كانت موقوفة بموجب الحكم وتنفذ العقوبة على المحكوم عليه، لذلك نجد القانون يفرض على القاضي عند النطق بالعقوبة الموقوف تنفيذها تنبيه المحكوم عليه بأنه في حالة صدور حكم جديد عليه بالإدانة خلال مدة معينة فإن العقوبة الموقوفة ستنفذ عليه دون أن تلتبس مع العقوبة الجديدة ؛ لذلك يحقق نظام وقف التنفيذ أثرا رادعا للمحكوم عليه، بالتهديد بتنفيذ العقوبة المحكوم بها وإنزالها به في حالة إتيانه لجرم جديد خلال فترة التجربة .