صَعَاليك الوَطن .. قديما و في العصر الجاهلي ظهر مصطلح الصعاليك ، وكانت نظريّتهم الاجتماعية تتلخّص في التمرّد على واقعهم الاجتماعي المحكوم بسلطة القبيلة وأعرافها القاسية وقيمها الحاسمة ، ليهيئوا لأنفسهم منفسا يُحصنهم من الانقراض داخل مجتمعٍ يوجهُ لهم اللومَ والعقابَ بسبب أوضاعهم الاجتماعية فهم في الأغلب محرومون من كل شيء لأن أمهاتهم إماء حبشيات ، ووفق فلسفة احتجاجية تبنوها حاولوا تحقيق العدالة على طريقتهم الخاصة ، فقاموا باغتنام الأموال من جيوب الأغنياء، البُخلاء منهم خاصَّة، بقوَّة السيف، لسدّ حاجتهم ، وتوزيع الفائض على المُحتاجين ممن ينتمون لزمرتِهم .
مفهوم المواطن الصعلوك
هذا عن مفهوم الصعاليك قديما وبنظرة استقْصائية محايدةٍ داخل مجتمعاتنا المعاصرة ، تجد فئةً من الناس يمكن أن تطلق عليها مفهوم المواطن الصعلوك ، فعندما تغيبُ السلطةُ السياسيةٌ عن منظومة العدالة الاجتماعية القويمة ؛ فتكرِّس فكرة الطبقية حيث تعطي “امتيازات” لبعض الفئات مقابل تهميش فئات أخرى ، هنا تنمو وتترعرع نبتةُ الصعلكة ، فالأغنياءُ يظنون أنفسَهم أسيادا ، والفقراء يرون أنفسهم بلا قيمة ولا وزن ، وما بين الفئتين تظهر طبقةٌ من الصعاليك الجدد ذاتِ الثلاث فئات :
صعاليكُ القيم : يتمردون على قيم المجتمع الأصيلة ، صعاليكُ الهوية : يتمردون على الثوابتِ واللغة والعقيدة ، صعاليكُ السياسةِ : يتمردون على مبادئ الأوطان وعزتها .
صعاليك القيم
الفئة الأولى (صعاليك القيم) : وصل الأمر بها أن تجسد تمردها عبر مسلسلات وبرامج تنتهك حرمة البيوت المصرية فهي خارج جلباب القيم المصرية الأصيلة ، فالمسلسلات تضجُ باللهوِ والعبثِ والمُخدرات والعَربدةِ ، ميوعةٌ وسماجةٌ وسفالةٌ ، ويَصعب تمييز أُنثاهم من ذَكرِهم ، ليس ذلك فحسب فالأمر تطوّر وامتَـد لوجود فقرات رقص وخلاعة تتوه فيها الحدود وتتلاشى فيها قيم الحرام والحَلال ؛ يقلبون المفاهيم المصرية كمفهوم ولدْ البلد ومفهوم الجَدعَنة -الذي يعبرُ في الأساس عن أخلاقِ ومروءة الشعب المصري – إلى مشاهد ما يُعرَف بـ “ملوك الجَدعَنة” الذي يقوم بتصوير شَخصين يرتديان ملابس بلطجيّة ويتحدثان حديثَ صعاليك الجاهلية ، يقومان بأعمال بلطجةٍ مُمهنَجةٍ ومُقزِزةٍ ، ويظهران بمظهرِ الشبيحة ، فسلاسلٌ بالرقبة وظهور بجسَد عارِ مع انحطاط في لغة الحوار والإشارة ، ثلاثون حَلقة من الفوضى شرب مخدرات وعلاقات جنسيّة مشبوهة وتناول الخمور ؛ لينتصِر في النهاية بلطجي صاحب مبدأ على بلطجي بلا مبدأ ، هذه إساءات للشعب المصري بكل مكوناته ورموزه الشامخة ؛ يريدون تغذية العقول خاصة الشباب بنموذج البلطجي الشهم الذي يواجه بلطجيّة أشرار، ولا أعلَم متي تحوّلت البَلطَجة لخير وشَر ، والأصلُ أنُ كُلها تعدياتٌ وانتهاكاتٌ على ما ينصه القانونُ وتأصله الأعُرافُ المُجتمَعية .
الدراما الفاجرة
للأسف يحرصون على إذاعة مِثل هذه الدراما الفاجرة في الشهرِ الفضيل في شَهر يُفترَض أنه سباق ومنافسة لجمع الحسنات أو على الأقل ترويض النَفس وإدخالها في قالب أكثر صلاحًا هم يريدون هدمَ قيمِ المجتمع وأعرافه ، ولا أنكرُ أنهم استطاعوا بسحرهم الفاسد التأثير في شريحةٍ من المجتمع خاصة مَنْ لا يملكون أرضاً صلبة يقفون عليها لا يملكون تاريخا ولا جغرافيا ، الأجيال باتت تنشأ أسفًا على مفاهيم مَغلوطة ، فـتُصنَع أُسرة حالها مَـقلوب، الرجُل أشد مياعةً ونَسويةً من المرأة، والمرأة أكثر جرأةً وتبجحاً من الرجل !
أنا هنا لا أصطِنع تقوى أو أدّعي ورعًا ، لكـِن ثمة مشاهدٍ تُشعرني بالاشمئزاز من الرجولة المائعة ومن النسوية المُسترجِلة ، من كُل ما يُنقِص الرجُل قدره ويسلبه فطرته الجسورة ، ومن كل ما يَسلب المرأةُ وقارها ويُفقدها حياءَها المأثور !
وتبقى مجموعةٌ من الأسئلةِ الحائرة في ضمير كل مصريٍ أصيل يؤمن بقيمِ الدينِ والوطنِ والمُجتمع والأُسرة :
أليستْ هذه فوضى وتطرف فني وانتهاك لحرمة القِيم أشد خطرا من الإرهابِ ؟!
أمْ هي أفكارٌ ممنهجةٌ و مدروسة لتخريب الأجيال ؟!
لماذا غابت الدراما الهادفة مثل يوميات ونيس ، رأفت الهجان ، فارس بلا جواد وغيرها ؟!
منْ أعطى التصريحَ و الموافقة على مثل هذه العروض ؟ أين الرقابة ؟ و ما رأي الدولة بذلك ؟!
تبقى الفئتان (صعاليك الهوية) و (صعاليك السياسة) بإذن الله سنوردها في مقالٍ قادمٍ حتى نستبينَ سبيلَ الظانين بالناسَ ظنَ السوءِ ، حفظَ اللهُ دينَنا وطنَنا وقيمَنا من كلِ دخيلِ سوءٍ يا ربَّ العالمين .