لايزال فيروس كورونا المخيف يواصل زحفه في أرجاء المعمورة حتى طال أغلب الدول، فيما أعلنت الدول الكبرى عن تأثرها بانتشار وتفشي الفيروس، حتى أن الصين أعلنت رسميا تأثر اقتصادها من هذا الفيروس، فيما أعلنت الأمم المتحدة عن تاثر الاقتصاد العالمي أيضا من هذا الفيروس المزعج.
ورغم تلك التصريحات لازال فيروس كورونا يواصل ضغطه العنيف على أسواق الأسهم والعملات، وأصبح الدولار في سلسلة تراجعه، وسط توقعات بأن يتجه البنك المركزي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة هذا العام ليخفف الضغط النزولي على الاقتصاد الناجم عن تفشي الفيروس في الصين.
وكان الدولار في بداية الأزمة، مع انتشار الفيروس حول العالم قد ارتفع نظرا لأن المستثمرين يعتبرون أن جميع الأصول بالعملة الأميركية استثمارات آمنة.
السياسة النقدية الأمريكية
غير أن مديري الصناديق يرجحون الآن أن مجلس الاحتياطي سيعكف على تيسير السياسة النقدية ويخفض أسعار الفائدة نظرا لاستفادته من أكبر فرصة لتبني هذه الخطوة.
لكن خلال تعاملات نهاية الغسبوع الماضي، ومقابل سلة من العملات، نزل الدولار 0.2 في المئة إلى 99.19 مبتعداً عن أعلى مستوى في ثلاثة أعوام، والذي سجله الأسبوع الماضي. ولكن في غياب أنباء طيبة خاصة بالفيروس القاتل، لا يتوقع كثيرون أن يسترد جزءاً كبيراً من مكاسبه الأخيرة.
وفي أحدث تعاملات، صعد اليورو 0.1 في المئة إلى 1.0863 دولار، ليبتعد عن أقل مستوى في ثلاثة أعوام، الذي هوى إليه الأسبوع الماضي، مما دفعه دون مستوى 1.07 دولار مع تدفق الأموال عليه كملاذ آمن.
كما ارتفع الين الياباني 0.2 في المئة إلى 110.53 ين مقابل الدولار. وأيضاً، صعد اليوان الصيني 0.2 في المئة إلى 7.0225 مقابل العملة الأميركية في السوق الخارجية، ليسجل ذلك أعلى مستوى في خمسة أيام.
وهبط الدولار أمام الجنيه الإسترليني بنحو 0.6 في المئة مسجلاً 1.3003 دولار، كما هبط مقابل العملة السويسرية 0.3 في المئة ليسجل 0.9757 فرنك. وفي نفس الوقت، انخفض المؤشر الرئيس للدولار الذي يتبع أداء العملة الخضراء أمام ست عملات رئيسة بنحو 0.4 في المئة ليصل إلى مستوى 98.987.
وأظهرت بيانات اقتصادية حديثة ارتفاع ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة لكن بأقل من توقعات المحللين، كما زادت أسعار المنازل الأميركية بأكثر من التقديرات خلال الشهر الأخير من العام الماضي.
هبوط الدولار
وتأثر الدولار سلباً بتوقعات متزايدة من المستثمرين عبر العقود الآجلة لمؤشر الاحتياطي الفيدرالي بشأن خفض معدل الفائدة قبل منتصف العام الحالي، رغم استبعاد البنك أي خطوة مماثلة. وكان محضر الاجتماع الأخير للفيدرالي قد كشف عن اتجاهه لإبقاء السياسة النقدية من دون تغيير وتثبيت معدلات الفائدة، مع مراقبة التطورات الاقتصادية.
وفي تصريحات صحفية قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية كليفلاند، لوريتا ميستر، إنها لا تؤيد خفض معدل الفائدة الأميركية، وإن اتّباع نهج الصبر في تغيير السياسة النقدية مناسب ما لم يكن هناك تغيير جوهري في التوقعات الاقتصادية.
وقال نائب الاحتياطي الفيدرالي، ريتشارد كلاريدا، إن البنك يرى أن فيروس كورونا يشكل تهديداً كبيراً على النمو الاقتصادي، لكن مدى ذلك غير معروف حتى الآن. وأضاف “يمكن أن يمتد الاضطراب في الصين إلى بقية الاقتصاد العالمي، لكن لا يزال من السابق لأوانه التكهن بشأن حجم أو مدى استمرار هذه الآثار”.
وأشار إلى أن البنك المركزي الأميركي يرى أن السياسة النقدية مناسبة حتى الآن بينما يراقب المسؤولون تأثير الفيروس. وتابع “طالما بقيت المعلومات الواردة حول الاقتصاد متسقةً على نطاق واسع مع التوقعات، فإن الموقف الحالي للسياسة النقدية من المرجح أن يظل مناسباً”. وأشار إلى أنه إذا كان من المفترض أن يؤدي التباطؤ في الصين إلى تباطؤ الطلب وانخفاض الأسعار، فإن الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يتراجع عن موقفه بشأن السياسة النقدية.
ومن جانبه قال كبير المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، لاري كودلو، إنه لا يتوقع قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدل الفائدة في خطوة لحماية الأسواق من التأثير الذي قد يحدثه فيروس كورونا.
فيروس كورونا والدولار
وأضاف في تصريحات له، قائلا:”بصرف النظر عن الفيروس، قلت إنني لا أمانع رؤية الاحتياطي الفيدرالي أكثر جرأة في خفض معدلات الفائدة وتقليص الميزانية العمومية”.
وتزايدت التكهنات أخيرا بشأن قيام الفيدرالي بخفض تكاليف الاقتراض في محاولة لاستباق أي تباطؤ قد يحدثه فيروس كورونا في نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.
وفيما يتعلق بفيروس كورونا، قال كودلو إن كورونا تم احتواؤه في الولايات المتحدة حتى الآن، مشيراً إلى أنه مأساة إنسانية لكنه لن يصبح على الأرجح كذلك على الاقتصاد.
وقال بيت آن بوفينو ، كبير الاقتصاديين الأمريكيين لدى S&P Global: إن التأثير على الاقتصاد الأمريكي سيكون ضئيلًا لأنه مدفوع بالنشاط المحلي الذي يمثل 85% من اجمالي النشاط الاقتصادي.
ولكن هناك خمس مخاطر لفيروس كورونا يمكن أن تهدد الاقتصاد الأمريكي، أبرزها هبوط أسعار النفط بعد تأثر الطلب على النفط نتيجة لانتشار فيروس كورونا حيث تسبب في ارتفاع الأسعار مما يمثل مشكلة للمنتجين الأمريكيين في ولايات مثل تكساس والاسكا ونيو ميكسيكو التي خسر فيها ترامب انتخابات عام 2016.
كما تأثر الطلب على وقود الطائرات لأن شركات الطيران الكبرى أوقفت جميع الرحلات الجوية من وإلى البر الرئيسي للصين.
وتابع بوفينو أن من ضمن تلك الخطوات قلة المشتريات الزراعية فمع انتشار فيروس كورونا أشار بعض المحللين إلي أن المزارعين قد ينتظروا فترة أطول لرؤية الطلبات الكبيرة على فول الصويا والذرة القادمة من الصين.
وأشار إلى أن قطاع السياحة تضرر خاصة بعد قيام إدارة ترامب حاليًا بتقييد دخول الولايات المتحدة من الصين، ويتم فحص الأمريكيين الذين زاروا الصين خلال الأيام ال 14 الماضية بحثًا عن الأعراض، وإذا لم تظهر عليهم علامات الإصابة بالمرض يُطلب منهم “الحجر الصحي” داخل منازلهم.
مما يضر بالفعل شركات الطيران، حيث قامت الخطوط الجوية الأمريكية والخطوط الجوية المتحدة بتعليق رحلاتها من وإلى الصين حتى أواخر مارس، وألغت دلتا رحلاتها حتى 30 أبريل.
يمكن أن تضر أيضا المطاعم والمتاجر التي تستفيد من السياحة الصينية حيث زار أكثر من 2.5 مليون صيني الولايات المتحدة العام الماضى.
خفض النمو الامريكي
وفي تقرير حديث، خفض بنك “غولدمان ساكس” تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأميركية إلى مستوى 1.2 في المئة في الربع الأول من العام الحالي، مقابل التقديرات السابقة عند 1.4 في المئة بسبب “كورونا”.
وواصلت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات تراجعها لتسجل أدنى مستوى على الإطلاق خلال تعاملات أمس الثلاثاء، مع تزايد مخاوف فيروس كورونا، حيث أدت عمليات البيع الواسعة في أسواق الأسهم العالمية لليوم الثاني إلى التدفق نحو الأصول الآمنة، مثل السندات الحكومية، لتتراجع العوائد على تلك الديون مع حقيقة العلاقة العكسية بينهما.
ويستمر فيروس كورونا القاتل في إثارة الرعب في نفوس المستثمرين مع تزايد عدد الإصابات خارج الصين، الأمر الذي رفع مخاوف انتشاره إلى بقية العالم وتأثيره السلبي على الاقتصاد العالمي.
وتشير البيانات الرسمية إلى تراجع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى مستوى 1.32 في المئة لتسجل بذلك أدنى مستوى في تاريخها.
كما انخفض العائد على الديون الحكومية الأميركية لمدة 30 عاماً إلى مستوى 1.80 في المئة بعد أن سجل مستوى 1.79 في المئة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق. فيما تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين إلى مستوى 1.21 في المئة.