ما من مفكر أو محلل استراتيجي غربي خلال القرن الحادي والعشرين إلا وحذّر من توحيد “أوراسيا” سياسيا واقتصاديا، وخطورة ذلك على الهيمنة الغربية. أوراسيا تلك المساحة الشاسعة من الأراضي الممتدة من الصين حتي غرب روسيا أو جبال الأورال، والتي تٌشكل أكبر كتلة برية متصلة وأكثر بقعة احتواء للسكان وموارد الطاقة، وأقوي قوة برية في التاريخ.
لكن ذلك ليس كافيا كي تزيح “أوراسيا” الغرب عن قمة الهيمنة على العالم، فالتقدم التكنولوجي والصناعي مازال حاضرا في الغرب أكثر من أي منطقة أخري بالعالم، ولهذا يدور صراع شديد بين “قوة البر” أوراسيا وقوة البحر البحر “الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين واليابان وتايوان وأستراليا”.
الصراع ببساطة: قوة البحر تحاول منع قوة البر من توحيد “أوراسيا” بأي طريقة، والتوحيد هنا انتقال مستوى الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا تحديدا، إلى نوع من أنواع التحالف الذي يُرقى بكونه “دفاع مشترك” للدولتين ضد القوي الغربية. ويبدو أن الحرب في أوكرانيا باتت توفر المناخ المناسب لتحالف صيني روسي أكثر عمقا وقوة.
فللمرة الأولى منذ 4 سنوات، زار الرئيس الصيني روسيا الإثنين الماضي، وهناك جرى اجتماعا بين الرئيسين استمر لمدة 4 ساعات، نتج عنه الآتي:
– اتفق الرئيس الصيني مع نظيره الروسي على تأسيس “حقبة جديدة من الشراكة الاستراتيجية” والاتفاق على تمديدها إلى 2030.
– صدور بيان مشترك من الدولتين تعلنا فيه إن العلاقات بينهما وصلت إلى أعلى مستوى على الإطلاق.
– تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين خاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط الروسية للصين والتوصل لاتفاق بشان خط أنابيب الغاز “قوة سيبيريا 2” الذي يربط سيبريا بشمال غرب الصين كما توقع بوتين أنه بحلول 2030 ستزود روسيا الصين بـ 100 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. وسيتم إرسال 100 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال فضلا عن الفحم ومصادر طاقة أخرى بأسعار تفضيلية.
– أعلن الرئيس الروسي أن سيتم التوسع في المدفوعات بالعملة الروسية والصينية وتتزايد رغبة دول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية في القيام بذلك.
– اتهام الولايات المتحدة بتقويض الأمن العالمي للحفاظ على أفضليتها العسكرية، فيما أعربا عن قلقهما من الوجود المتزايد لحلف الناتو في آسيا.
– في نهاية محادثات الثلاثاء الماضي بين الرئيسين وأثناء مغادرة الرئيس الصيني، قال لنظيره الروسي أمام الكاميرات: أن هناك تغييرات عالمية لم تحدث منذ 100 عام، ونحن نقود ذلك.
الزيارة الصينية استثنائية، للأسباب التالية:
– تجيئ بعد مذكرة توقيف الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي.
– أول زيارة للرئيس الصيني لروسيا منذ بدء الحرب.
تحركات غربية تجيئ بالتزامن مع إعلان الشراكة الاستراتيجية الصينية الروسية:
– زيارة رئيس الوزراء الياباني لأوكرانيا للمرة الأولي، وتسيير قاذفات استراتيجية روسية بمحاذاة بحر اليابان، ويُلاحظ أن موروث العداء بين اليابان وروسيا واليابان والصين متجذر منذ القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية.
– استعداد رئيسة تايوان لزيارة الولايات المتحدة نهاية الشهر الجاري.
– إعلان بريطانيا اعتزامها تزويد أوكرانيا بذخائر “يورانيوم مستنفد” لدبابات تشالنجر.
– إعلان الولايات المتحدة تعزيز انتشار جيشها في بولندا بتدشين أول قاعدة عسكرية ستكون مقرا للفيلق الخامس الأمريكي والقاعدة الثامنة في أوروبا.
المحصلة:
– التحالف الصيني الروسي يقود إلى زيادة أدوار الناتو في آسيا، وحضور اليابان تحديدا إلى الشرق الأوروبي وهي القوة التاريخية المناوئة للصين وروسيا في الباسيفيك.
– التحالف الصيني الروسي يدفع بتعزيز واشنطن لقواتها العسكرية التكتيكية بمحاذاة الجناح الشرقي لحلف الناتو ومركز الحالي “بولندا”.
– الولايات المتحدة تتعامل مع الصين وروسيا ككتلة واحدة في أوروبا، وتتعامل معهما كقوتين منفصلتين في الباسيفيك، فـ تحالف أوكوس موجهة بالأساس إلى الصين وبحريتها.