تقترب مصر من عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد يتبعه على الأغلب التخفيض الخامس لعملتها خلال 8 سنوات، وتعكس المؤشرات الاقتصادية من تضخم للدين الخارجي وتراجع معدلات النمو واستمرار عجز الميزان التجاري وأزمة شح الدولار فضلًا عن معدلات التضخم المنفلتة فشل الاتفاقات السابقة في تحسين الوضع على مستوى الاقتصاد الكلي بل ومساهمتها في زيادة معاناة المصريين اليومية لتلبية احتياجاتهم.
محاولة لتعزيز وضع الجنيه
وقال تحليل صادر عن مركز (حلول بديلة – عدسة) التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة: اعتبرت مصر اتفاقاتها مع صندوق النقد بمثابة شهادة بجدارتها الائتمانية فتوسعت في الاقتراض وإصدار سندات في الأسواق الدولية والحصول على ودائع خليجية ليتضاعف حجم الدين الخارجي أربع مرات خلال الثماني سنوات.
وكمحاولة لتعزيز وضع الجنيه، تم رفع الفائدة أكثر من مرة، فزادات من تدفقات الاستثمار في الدين الحكومي دون أن تكون استثمارات مباشرة في قطاعات إنتاجية، وأحدث خروج نحو 20 مليار دولار أموالًا ساخنة من مصر في 2022 أزمة دولارية.
وأضاف: أثر رفع سعر الفائدة بالسلب على تكلفة الديون الحكومية مما عظم فاتورة خدمة الدين المحلي وحد من اقتراض الشركات من البنوك وساهم في إبطاء معدلات النمو.
مبادرات مصر لجمع الدولار وماذا حققت؟
ويرى المركز أن مبادرات لجمع الدولار مصر لم تساعد في توافره محلياً، كما تم إنفاق معظم أموال القروض على مشروعات البنية التحتية، فاستمر النزيف الدولاري واستمرت حاجة مصر إلى الاقتراض من صندوق النقد.
وأسفرت التعويمات المتتالية عن ارتفاعات قياسية في معدل التضخم ليصل إلى 38% في سبتمبر، وتراجعت الدخول الحقيقية للمواطنين واستمرار تراجع قيمة مدخرات الأفراد وتباطؤ معدلات الاستهلاك، وتفاقم الضغوط على فئة محدودي الدخل. وبذلك تصبح تأثيرات التعويم السلبية أكثر وضوحًا من إيجابياته التي تتبلور نظرياً في زيادة الصادرات لانخفاض أسعارها وخفض الواردات لزيادة تكلفتها.
ولفت تحليل (عدسة) إلى أنه لم يحدث أن ارتفعت الصادرات في الحالة المصرية بشكل يبرر التراجع في قيمة الجنيه فبينما زاد سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه بـ 248% منذ 2016 حتى نهاية 2023 بالسعر الرسمي زادت الصادرات بنسبة 116% خلال نفس الفترة، وكانت معظم الزيادة لصالح الصادرات النفطية، بينما المنتجات المصرية غير النفطية ليست ذات قيمة كبيرة لتنافس وتحقق طفرة في أرقام التصدير.
أما الواردات فقد زادت بنسبة 23.5% في نفس الفترة وحتى الانخفاض الملحوظ في إجمالي الواردات الحاصل بين عامي 21 و22 كان سببه نقص الدولار اللازم للاستيراد.
ماليزيا ونجاح رغم مخالفة تعليمات صندوق النقد
ولفت التحليل إلى تجربة مالزيا، ففي تسعينيات القرن الـ20، واجهت ماليزيا أزمات مالية مع عدد آخر من دول شرق آسيا وبعكس تايلاند، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، لم تلجأ ماليزيا لعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي بل طبقت لمدة عام السياسات التي عادة ما ينصح بها متمثلة في تحرير كلي لسعر الصرف، وإلغاء القيود على الأنظمة المالية، ورفع أسعار الفائدة وخفض الإنفاق الحكومي.
وعلى مستوى جميع الدول في الشرق الآسيوي أسفر تطبيق سياسات الصندوق عن انخفاض الطلب المحلي، وتعثر الشركات في سداد خدمات ديونها وبالتالي غياب ثقة المستثمرين وفقدان الوظائف.
أما ماليزيا فبعد أن تسببت آليات الصندوق خلال فترة العام إلى دخول الاقتصاد في ركود، تبنت آليات بديلة أخرجت الاقتصاد من عثرته.
وتمكنت ماليزيا من تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة التي تلت تلك السياسات، ونجحت في تحقيق مرونة في الاقتصاد جعلت من السهل تخطي الصدمات المتتالية، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة في فترات الكساد وكان آخرها كوفيد -19.
خمس خطوات لتتجنب الحكومة غرق الاقتصاد مع التعويم
وحدد التحليل خمس إجراءات لتتجنب الحكومة غرق الاقتصاد مع التعويم:
أولاً: تجنب دفع المواطنين ثمن تحرير سعر الصرف من خلال الاستفادة من التجربة الماليزية يكمن في الالتزام بخطط التنمية بعيدة المدى مع مسارات تحسين الأداء الاقتصادي بعيدًا عن روشتة الصندوق التي تلقائياً تطالب بمزيد من التقشف، خصوصًا وأن سياسات صندوق النقد عادة لا تتوافق مع طموحات الشعوب وقد تقلل من شعبية الحكومات.
ثانياً: وضع خطة لتشجيع الاستثمار، وزيادة دور القطاع الخاص العامل في الصناعات الموجهة للتصدير لزيادة موارد الدولة الدولارية.
ثالثاً: وضع خطة لزيادة التصدير بشكل يناسب مقومات السوق المصرية والمصانع المتواجدة في الدولة بالفعل خاصة المنتجة لسلع ذات قيمة مضافة فضلًا عن تنويع هيكل الصادرات بحيث لا يكون معظمه من الصادرات البترولية.
رابعاً: وضع أولويات للإنفاق وتوجيه معظم المصادر الدولارية إلى قطاعات قادرة على توليد عائد دولاري مثل الصناعة والسياحة.
خامساً: وضع حزم حماية اجتماعية استباقية، يراعي فيها التغيرات في معدلات التضخم وقيمة الجنيه.