سرعان ما تحوّلت قضية سفر مخالفي قانون الإقامة في دولة الكويت وبعض دول الخليج إلى مادة دسمة تستخدمها الأبواق المناهضة لمصر لضرب العلاقات المتينة التي تربطها بأشقائها.
يتوهم هؤلاء أنهم سينالون من مصر العزة أم الدنيا التي استعادت ريادتها في ظل قيادة لا تخشى في الحق لومة لائم، قيادة تضع كرامة الوطن وأبنائه فوق كل اعتبار، على عكس ما تردده بعض القنوات المغرضة البذيئة التي تتمترس من ورائها الخلايا النائمة للإخوان وأتباعهم ومموليهم.
لقد كان لمصر الأسبقية في تحريك أسطول ناقلها الوطني، شركة مصر للطيران، لإجلاء رعاياها في العديد من دول العالم منذ بداية جائحة “كورونا” التي ضربت العالم كله، بل وما زالت الدولة تحرص على متابعة العملية.
ليس هذا فحسب، بل هناك خطط ونقاشات أوسع وأشمل لفتح الأجواء لعودة من يرغب من المصريين الذين يقيمون في الخليج ودول المنطقة والعالم كله.
الجهود الجبارة التي يبذلها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي محل تقدير، ويجب أن نقف عندها كثيراً، هذا الرجل ليس من نوعية الرجال الذين يتخلون عن مسؤولياتهم الأدبية تجاه الشعب، ولعل تعامله مع الكثير من الملفات ذات العلاقة لخير دليل على ذلك.
ولكن أيضاً يجب أن نلتمس العذر كُل العذر للمواطن المصري البسيط الذي تغرّب عن بلده وحمل على أكتافه أعباء أسرته لسنوات وسنوات، ذاق خلالها آلام الغربة ومرارة الظروف المعيشية.
نعم معذور حين يصرخ من أعماق قلبه طالباً العودة إلى الديار بعد أن ضاقت به الدنيا ذرعاً بسبب انتشار فيروس كورونا الذي شل شرايين الحياة العملية في معظم الدول، حتى أن المغترب بات غير قادر على تحمل تكاليف المعيشة.
نعم معذور عندما يناشد رئيسه أو حكومته لقناعته بأن هناك من سيسمع النداء ويلبيه.
يجب أن نلتمس له العذر يا سادة ولا نعلق له المشانق أو نتهمه بعدم الوطنية، فالكثير من أبناء الوطن في الخارج يطالب بالعودة إلى داره، دون أن يعلم حجم كُلفة ذلك على البلاد، لكن تظل مؤسسات الدولة هي المعنية بالتعامل مع الأمر واتخاذ ما يلزم حيال مطالباته، حتى وإن ظل ذلك الجهد المبذول غير معلوم … غداً وبعد الأزمة سيعلم الجميع حجم الجهود المبذولة من قبل الدولة وحكومتها.
عندما يُطالب المصري المقيم بالخارج أن يعامل مثل ما تعامل بلدان أخرى جالياتها، فهذا حقه، لكن بقليل من الصبر والتعاون مع مؤسسات الدولة ستمضي الأمور، فكُلنا يعلم أن ما يعيشه العالم بأسره يجسد مأساة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
عندما تتمهل الدولة في إجلاء بعض من رعاياها في الكويت أو السعودية وغيرها من الدول المحيطة، ليس لأنها لا تهتم بهم، بل لأنها تعكف على تجهيز الآليات الملائمة لاحتواء كل هذه الأعداد، وعليه فهناك الكثير من الأماكن باتت تحت التجهيز استعداداً لاستقبال مصر لأبنائها.
حسبنا في ذلك أن نعلم أن مخالفي الإقامة في الكويت الذين تقدموا للاستفادة من قرار وزير الداخلية الكويتي أنس الصالح في شأن السماح بمغادرتهم البلاد بلا شرط أو غرامة قد بلغ عددهم بحسب التقديرات الرسمية نحو 6700 مواطن.
هؤلاء يقيمون اليوم داخل المدارس ومراكز الإيواء التي وفرتها الكويت لهم ولغيرهم من العمالة الوافدة التي حرصت على الاستفادة من القرار، وطالبوا بتسريع العودة إلا أن العملية تتطلب كما قلنا استعداداً كبيراً أوشك على الانتهاء لتبدأ مصر في استقبال أبنائها العائدين.
لقد قاسى بعض المصريين في بلاد الغربة ما قاسى، فمنهم من قضى عاماً وإثنين وعشرة بلا إقامة، بسبب تعنت الكفيل أو وقوعه فريسة لشباك النصب والاحتيال التي يشارك فيها بعض من أبناء جلدتنا أيضاً، أو حالت أسباب قانونية دون تجديده الإقامة ويطمح اليوم في رؤية أبنائه وأهله بعد سنوات عجاف قضاها بين عمل دون سند قانوني وخوف من الإبعاد الإداري!
أضم صوتي لصوت هؤلاء، بسرعة إنجاز الإجراءات الخاصة بسفرهم، خصوصاً بعد أن قررت بعض الدول وأبرزها الكويت السماح بسفر المقيمين والإجلاء لراغبي العودة إلى بلادهم، ومنهم المصريون شرط الخلو من فيروس كورونا.
وأصدرت الكويت اليوم قراراً بأنها ستتحمل تكاليف فحص كل مسافر من أراضيها إلى بلاده، وستُصدر له شهادة موثقة بخلوه من المرض، بل ولن تسمح بسفر المقيم حال ثبت من خلال الفحص أنه مصاب وحامل للفيروس.
مع دخول مثل هذه الإجراءات المهمة إطار التطبيق وفي حال التنسيق مع الجانب المصري، فإن قضية سفر مخالفي الإقامة وغيرهم من العالقين أصبحت أمام انفراجة حقيقية، لاسيما وأن ذلك يغني بلا شك عن الحجر الصحي الذي ألزمت به الجهات المعنية في مصر كل مواطن قادم إلى أراضيها، على أن يشمل تحمله تكاليفه لمدة 14 يوماً.
تتجهز أساطيل الطيران المصرية والكويتية للتعامل مع الأمر بموجب الضوابط التنظيمية المتبعة، إلا أن هناك جانباً لا بد أن يحظى بالمراعاة، وهو أن عشرات الآلاف من المصريين يعملون بالخليج بدرجات وظيفية مختلفة، فإذا كان من غير الضروري سفره وإحداث أزمة في الحجز، فيجب أن نترك الاولوية الآن لمن تقطعت بهم السبل… “حفظ الله مصر وجيشها وشعبها العظيم من كل شر”.