استمرار السلطات التركية في السياسة النقدية للبنك المركزي التركي، ما افقد البلاد نحو 285% منذ سنة 2017، و62% من بداية السنة الجارية.
نتائج تدخل الحكومة التركية في فوائد البنوك
تسترد الليرة التركية جزءًا قليلاً من خسائرها الماضية لتُسجل 12.30 ليرة للأخضر الأمريكي، وافقد الوضع الحالي خسائر فادحة من قيمة الليرة وافقد قرابة 300% من قيمة أصولها ومدخراتها، على مدار الأربعة أعوام السابقة.
وأسفر تدخل الحكومة التركية في السياسات النقدية للبنك المركزي التركي، خلال الأعوام السابقة بعزل 3 محافظين للبنك؛ خلال آخر سنتين ونصف، وذلك بالإضافة إلى عزل 3 من قيادات البنك التركي الشهر الماضي، وذلك لتحديد أسعار الفائدة وهو عمل اساسي للبنك وليس للحكومة التركية.
وقالت وكالة بلومبرج العالمية للأنباء إن تلك التدخلات أدت إلى تقويض الليرة وإلحاق ضرر شديد بمصداقية السياسة النقدية في تركيا وقلصت القدرة على التنبؤ بها، خاصة من جانب المستثمرين الدوليين، ما ساهم أيضا في تأزم الأوضاع الإقتصادية في البلاد التي تعاني في الأساس من تداعيات جائحة كورونا وفشلت إجراءات الحكومة في إحتواء أثارها الإقتصادية، وتسبب تراجع العملة المحلية في ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج، إلى جانب إرتفاع الأجور، ما دفع المنتجين الأجانب إلى ترحيل فروقات أسعار الصرف إلى المستهلك النهائي، ونتج عن ذلك صعود حاد في نسب التضخم.
وذكرت الوكالة الإخبارية أن معدلات التضخم الاستهلاكي في تركيا تسارعت للشهر الخامس على التوالي في إكتوبر الماضي متأثرة بإرتفاع الأسعار العالمية وضعف الليرة المتواصل، وبلغ معدل التضخم الرئيسي أعلى مستوى له خلال عامين ونصف العام عند 19.58%، حيث زادت الأسعار بمعدل سنوي قدره 19.89٪ ، فيما لا يزال تضخم الغذاء أعلى بكثير من التقديرات الرسمية، حتى بعدما قام البنك المركزي التركي بتعديل تقديراته لنهاية عام 2021 إلى 23.4٪ من 15٪ في يوليو الماضي.
تدخلات الحكومة في فوائد البنوك يسبب التضخم
وإرتفع معدل التضخم في الطاقة إلى 25.76٪ في أكتوبر الماضي من 22.77٪ في الشهر السابق، وإرتفع مؤشر التضخم الأساسي بمعدل سنوي إلى 16.82٪، في إشارة إلى ضغوط تضخمية قوية وراء الرقم الرئيسي، وإرتفع تضخم أسعار التجزئة في إسطنبول، عاصمة الأعمال في تركيا، إلى 20.76٪ الشهر الماضي من 19.77٪ في سبتمبر السابق عليه.
وفي ظل تمسك السلطات التركية بالتدخل في السياسات النقدية، والضغط المتواصل لخفض أسعار الفائدة، ما أجبر البنك المركزي التركي على خفض الفائدة لأكثر من مرة هذا العام بنحو 400 نقطة، حتى وصلت إلى 15 في المائة مقابل 19 في المائة في سبتمبر الماضي، وذلك رغم إرتفاع الأسعار عالميا، والتضخم المتزايد في تركيا وايضا العالم.
ويتوقع “دويتشه بنك” أن يؤدي تخفيض الفائدة التركية إلى مزيد من الإرتفاع في معدلات التضخم ؛ كما توقعت وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد آند بورز انخفاضا حادا لليرة التركية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وتضاعف مستوى القروض المصرفية المتعثرة في الـ12 شهرا المقبلة، وهو ما ينذر بتفاقم الأوضاع الإقتصادية في البلاد وتضييق الخناق على الأسر التركية.
وذكرت وسائل إعلام تركية الإسبوع الماضي نقلا عن إقتصاديون أتراك أن جميع المؤشرات تدل على استمرار انخفاض الليرة التركية، خاصة في ظل التمسك بسياسة خفض سعر الفائدة من قبل السلطات الحاكمة وتدخلها في عمل البنك المركزي، رغم معارضة مسئولي المركزي التركي لهذا التوجه، لكنهم فعلوا ذلك وقاموا بخفض جديد للفائدة بمعدل 1 في المائة نزولا عند طلب السلطات التركية التي تعتقد أن خفض معدلات الاقتراض سيعزز النمو في البلاد.
تدخلات الحكومة في تعاملات البنوك «يفقر الشعب»
وينظر الاقتصاديون بشكل عام إلى إرتفاع أسعار الفائدة على أنه أداة مالية لكبح للتضخم الذي وصل لمستويات وصفته الحكومة التركية ب ” الخطير” ، لكن في الوقت نفسه ترى السلطات التركية ضرورة الاستمرار في خفض تكاليف الاقتراض معتقدة أن خفض أسعار الفائدة سيؤدي إلى انخفاض التضخم.
وقال الخبراء إن التدخلات المستمرة من السلطات التركية في السياسات النقدية في عمل البنك المركزي سيؤدي في النهاية إلى إفقار الشعب التركي وستدفع الأمة التركية الثمن وستتواصل معاناة الإقتصاد الذي لم يتعاف بسبب حائجة كورونا ، وسط توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الارتفاع في أسعار المنتجات والسلع المختلفة سواء في القطاع الخاص أو العام، وذلك بعد صعود تكلفة الإنتاج ونمو عجز الموازنة.
ومنذ عزل السلطات التركية لمحافظ البنك المركزي التركي وتعيين شهاب قوجي أوغلو محافظا جديدا في مارس الماض، فقدت الليرة التركية أكثر من 60 في المائة من قيمتها من مستوى 8.50 ليرة للدولار إلى 13.5 ليرة للدولار في تعاملات الايام الماضية، وذلك بسبب خضوع المحافظ الجديد لتدخلات السلطات التركية في السياسة النقدية.
ويرى محللون أن إنصياع المركزي التركي للسلطات في البلاد جعل خطواته تسير بشكل معاكس للاتجاه العالمي التي ترتكز على إنهاء تدريجي لإجراءات التيسير النقدي التي قامت بها البنوك المركزية في أثناء جائحة كورونا، فيما تتجه الآن إلى رفع معدلات الفائدة لمجابهة حالة التضخم التي تجتاح العالم، لكن المركزي التركي يفعل العكس ويسير عكس السرب.
وتعاني تركيا من فاتورة ديون ضخمة تتجاوز 450 مليار دولار، وبات على الشركات والحكومة التركية سداد ديون خارجية بقيمة 13 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري ، وهو ما يرفع الطلب على العملة الأجنبية، ويزيد ذلك الضغوط على الليرة، كما يزيد من خطورة خفض الفائدة على الاقتصاد الذي يعتمد بشدة على التمويل الخارجي، رغم أن صادرات البلاد تصل إلى 250 مليار دولار سنويا،لكنها لا تستطيع مواجهة الالتزامات الخارجية الضخمة.
بعد الانهيار.. البنك المركزي التركي يحاول السيطرة على الوضع
وحاول البنك المركزي التركي اتخاذ بعض الاجراءات لإنقاذ الوضع النقدي، إذ عمد في التاسع من نوفمبر الحالي إلى تعديل قواعد الاحتياطي لخفض سيولة الليرة في النظام المصرفي، وخفض كميات الذهب المسموح للمصارف الاحتفاظ بها في إطار الاحتياطي الإلزامي من الليرة، ورفعت هذه الخطوة من ناحية الأثر كمية العملة المحلية التي يتعين على البنوك إيداعها في البنك المركزي.
كما رفع البنك المركزي التركي نسب الاحتياطي الإلزامي للودائع بالعملات الأجنبية بمقدار 200 نقطة أساس (2%) لتعويض أي تأثير في احتياطياته، بموجب هذه الخطوات، توقع المركزي التركي أن تزيد حيازاته من العملات المحلية والأجنبية بمقدار 7.4 مليار ليرة، و 3.8 مليار دولار على التوالي.