بعد أن حققت الحكومة المصرية برئاسة المهندس مصطفى مدبولي نجاحاً ملحوظا في تدشين الإجراءات الإحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا في مصرنا الحبيبة، أطلقت الجهات المسؤولة العنان لمقترحات جُهنمية أصابت المصريين في الخارج بالصدمة، وحولتهم من الطموح إلى اليأس، ومن الأمل إلى الألم!
كل هذه المشاعر المختلطة تسيدت المشهد خلال الساعات الأخيرة من مساء أمس، عندما كشف المعنيون في المحروسة عن قرار بتحمل القادمين من الخارج لدى عودتهم مباشرة تكلفة الإقامة بالحجر الصحي، وفي المكان الذي تحدده وزارة الصحة.
نعم بالفعل، إن ما سطرته من كلمات يمثل واقعاً لتداعيات قرار صدر وأكده المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء المستشار نادر سعد في مداخلة تلفزيونية، ليترك من ورائه حالة من الوجوم والصدمة بأوساط المغتربين.
كيف يتحمل العائد إلى وطنه تكلفة الحجر، فمنهم حالات إنسانية بالجملة، مثل من ألغيت إقامته، أو زيارة لا يملك سوى تكلفتها، أو آخر مُبعد إدارياً كان عاطلاُ بلا عمل، فمن أين له أن يدفع تكاليف الحجر، جميعهم ذوو ظروف استثنائية.
علماً أن الدول التي كان يقيم بها هؤلاء في الخارج لم تكلفهم مليماً واحداً في الفحص او حتى الحجر إن تطلب الأمر ذلك، علماً أن المصريين أبرياء من دم كوورنا وانتشاره كما ادعى البعض في بداية الأزمة.
لقد أعلن المستشار سعد خلال حديثه عن مضمون إقرار يوقعه القادمون عبر إحدى المنافذ بقبوله الحجر ، ثم اتباع التعليمات، وإجراء الفحص الطبي، ثم تحمل الدولة لكلفة العلاج … كل هذا جميل ومنطقي وعادل ومطبق بكل الدول، إلا أن سعد كشف النقاب عن فاجعة تتمثل في تحمل المواطن البسيط القادم من الخارج تكاليف الإقامة بالحجر لمدة 14 يوماً!
هل تعلم حكومتنا الرشيدة او بالأحرى من صاغ أو اقترح هذا القرار الطبيعة المعيشية الواقعية للسواد الأعظم من المواطنين المغتربين منذ سنوات ويترقبون استقرار الوضع كاملاً كي يعودوا إلى الوطن دون ان يكونوا عامل ضغط يحول دون نهوض البلاد؟ هل يعلم أن هناك الآلاف ممن لا يملكون قوت يومهم ينتظرون فرصة العودة إلى مصر بعد سنوات عجاف من الغربة غير المجدية؟
أخي المسؤول، دعني أوضح لك أمراً بل أمورا غائبة عنك، هناك عشرات الآلاف من المواطنين العاملين في مهن مختلفة مثل عمالة البناء وغيرها تكد وتعمل يومياً من أجل توفير وتحويل الحد الأدنى من المصروفات لأسرته البسيطة.
يتحمل المواطن من هؤلاء الأمرين كي يقي أسرته شر “العوز”، لكن للأسف توقفت الأعمال بسبب كورونا وبات معظم هؤلاء يستدينون من بعضهم البعض، إن توافر ذلك للإنفاق على أكله وشرابه.
هل تعلم يا سيدي أن هناك آلاف المصريين من مخالفي قانون الإقامة ببعض الدول ومنها في الخليج وتحديداً في دولة الكويت تنفسوا الصعداء عند صدور قرار العفو وفتح الباب لسفر هؤلاء دون تحمل أي تكاليف بما في ذلك تذكرة السفر، وبلا شرط مع إمكانية العودة من جديد باوراق ثبوتية وعقود عمل صحيحة وليست وهمية، إلا أنهم اصطدموا أمس بالقرار الحكومي المخيب للآمال ايضاً، عندما علموا أن تكاليف من نوع جديد تنتظره في أم الدنيا إنها تكاليف الحجر!
من الوارد أن يتسبب هذا القرار في إعادة نظر الكثيرين من أبناء الوطن بقرار العودة ضمن المهلة لعدم قدرتهم على سداد فاتورة الحجر، وهنا قد تتفاقم الأزمة، الأمر الذي يستدعي معالجة فورية فالوقت ليس في صالح هؤلاء الذين ارتبطوا بمهلة عفو مُحددة تبدأ من اليوم.
لك أن تتخيل أن هناك مواطنين يعيشون في الخارج ويحلمون بالعودة إلى الوطن إلا أنه ليس بمقدورهم شراء كيس خبز، أو وجبة غذائية تقيهم الجوع؟ إنهم أشبه بالموتى، فليس من المنطق أن تكون “موت وخراب ديار” نعم هو كذلك، وبعدها تأتي الدولة وتحملهم لدى عودتهم تكاليف الإقامة الحجرية… المغترب عن بلده يا سيدي يذوق علقم الغربة، والبعد عن أهله، ثم يعاني اليوم تبعات الكساد الذي خلفه فيروس كورونا.
يجب النظر إلى القادمين بعين الرأفة، فليس جميعهم قادرين على سداد أي تكاليف من أي نوع على غرار رجال الأعمال وكبار المستثمرين الذين استفادوا من مقدرات الدولة ومشاريعها على مر التاريخ، منهم بطريقة مشروعه ومنهم بإلتواء وتحايل، فلتحملوا هؤلاء فاتورة حجر الغلابة إن كان هناك بد في ذلك، فإن كانت الدولة غير قادرة فإن هذه فرصة لهوامير البلد ليعبروا عن مدى وطنيتهم وحرصهم على مصر!
احجروا على من يرغب في العودة وهذا حق مشروع حفاظاً على المصلحة العامة، لكن لا تحملوا الغلابة ما لا طاقة لهم به، نتمنى إلى يصل الصوت إلى ولي الأمر إلى والد الجميع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإصدار تعليماته بوقف هذا القرار المجحف، الظالم للبسطاء الراغبين في العودة إلى ديارهم.
وأخيراً ومع إعادة النظر المتوقعة في القرار لا سيما وأننا نعلم أن فخامة الرئيس السيسي أكثر من يحس بنبض الغلابة، نتمنى أن تراعي الحكومة المصرية حق المواطن في العودة الى وطنه في ظل الأزمة الحالية دون أن ترهق كاهله بأي التزامات او اعباء مالية، “اللي فيه مكفيه”.
هناك فرق يا سادة بين القادرين على تكاليف الحجر بفنادق الخمسة نجوم، وبين البسطاء العاملين باليومية، ويتلهفون لأجل العودة إلى أهاليهم، ننتظر إحساساً أكبر بالمسؤولية تجاه البسطاء، فهناك من هو أحق بتحمل التكاليف كاملة … “تحيا مصر الأبية وجيشها العظيم”.