قال المستشار محمد خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، أن ترجمة قصص السينما الأجنبية تتوقف على قدرة المترجم علي اختيار المعنى الدقيق من بين المعانى المترادفة ونقل أجواء الرواية والأحداث وشخوص العمل الفنى ومشاعرهم الإنسانية وهي قدرات تختلف من مترجم لأخر.
ويوضح المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى إن الترجمة للأعمال الفنية الأجنبية ليست محض نقل عمل أدبى أو مؤلف أو سيناريو من لسان إلي لسان أو من لغة إلي لغة وإنما هي في ذاتها عمل أدبى وفنى لحمته الإبداع وسداه الفن حيث تعد ثقافة المترجم التي تختلف من مترجم لأخر هي مفتاح تميزه , فهو شريك للمؤلف فلا يقتصر دوره علي نقل العمل من لغة إلي لغة وإنما تحدد قيمة الترجمة علي قدرة المترجم علي اختيار المعنى الدقيق من بين المعانى المترادفة , ونقل أجواء الرواية والأحداث التي وقعت وشخوص هذا العمل الأدبي ومشاعرهم الإنسانية المتباينة , وهي قدرات تختلف من مترجم إلي أخر , ومن ثم كان المتلقى لهذا العمل الفنى يفاضل بين من قام بترجمته فيقبل ترجمة مترجم ويرفض أخرى , ويقبل سماع عمل موسيقى لفنان عالمى بقيادة قائد – مايسترو- معين ولا يسيغه إذا قام به قائد أخر , ذلك أن المترجم أو القائد يضفى علي هذا العمل من ذاتيته وبراعته في الترجمة والقيادة ما يختلف عن قدرة وبراعة غيره من المترجمين والقادة , ومن ثم كان للترجمة مبدعيها كما للمؤلفين من إبداع.
ويذكر أنه في ضوء ذلك حق لكل من يتصدى لإخراج عمل فنى سواء علي المسرح أو شاشة التلفاز أو السينما أن يختار ترجمة لهذا العمل الفنى تولاها مترجم محدد اَنس إليه واطمأن إلي أن لديه القدرة علي نقل النص المترجم بأجوائه وأحداثه وأشخاصه إلي اللغة العربية علي نحو يرتضيه ويعينه علي إخراجه بالشكل الذي يصبو إليه هو أيضاً كمبدع.
ويختتم المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى دراسته المتميزة أن المشرع الدستورى كفل حرية الإبداع الفنى والأدبى بموجب المادة (67) من الدستور وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والأدب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك , بحسبان أن الإبداع هو عمل ذهنى وجهد خلاق – علميًا كان أم أدبيًا أم فنيًا أم ثقافيًا – ليس إلا موقفًا حرًا واعيًا يتناول ألوانًا من الفنون والعلوم تتعدد أشكالها ، وتتباين طرائق التعبير عنها ، فلا يكون نقلاً كاملاً عن آخرين ، ولا ترديداً لآراء وأفكار يتداولها الناس فيما بينهم – دون ترتيبها أو تصنيفها ، أو ربطها ببعض وتحليلها بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة ، وأن ينحلّ عملاً ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا، ولو لم يكـن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدة ، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا – ولو كان رسمًا أو صوتًا أو صورة أو سيناريو أو قصة فيلم أو عملاً حركيًا أو ترجمة لعمل أدبى – فلا ينغلق على المبدع استئثارًا، بل يتعداه إلى آخرين انتشارًا ، ليكون مؤثرًا فيهم , ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها ، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها ، كافل لحيويتها ، فلا تكون هامدة ، بل إن التقدم فى عديد من مظاهره يرتبط بها ,فالإبداع لا ينفصل عن حرية التعبير بل هو من روافدها ، يجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان يؤمن الفنانون والمبدعون بها ويدعون إليها ، ليكون مجتمعهم أكثر وعيًا بالحقائق والقيم التى تحتضنها.
وبهذا الجزء الرابع والأخير تنتهى الدراسة المهمة عربيا للمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى لفض التشابك بين الرأى العام وأهل الفن بعنوان” مدى حرية الفن بين محاكمة الإبداع ومقومات الأمة المصرية” وهى تستحق التأمل والنظر , وضعناها بحلقاتها الأربع مُلخصة حكماً فاصلاً ليتدراسها الرأى العام وأهل الفن والمتخصصين والدراسين.