بدم بارد ذبحها و هم بالفرار قبل أن تمسكه أيادي بعض الشباب الذي لم يتدخل قبل حدوث الكارثة ، بأي ذنب قتلت ( مجرد رفض الزواج ) ، تلك الحادثة المفزعة و حوادث أخرى مشابهة أصبحنا نستيقظ عليها كل يوم ، و قد بات الأمر منتشرا و أبعد بقليل عن مسمى حوادث فردية.
مرت أيام قليلة أيضا على وفاة سيدة في المستشفى بعد أن أحرقها زوجها بسبب خلافات عادية بينهما ، ومرت السنوات و نحن نرى الشجار بين الزوجين أو بين أفراد العائلات أو حتى بين الأصدقاء و غير الأصدقاء يتطور سريعا للقتل دون رحمة ليظهر في أي صورة ليست أبدا مجرد حوادث فردية.
إذا بحثنا قليلا في الجرائد و مواقع الأخبار الإلكترونية سنرى بأعيننا أن المجتمع تغير و الماء مر من تحت أرجلنا دون أن نشعر ، لنصحو من حين لحين على تلك الكوارث التي ظهر فيها المجرمون بكل وقاحة و قبح بعد أن أصبح مايعرض في التلفاز على مدار الساعة صورة سيئة للبلطجي القدوة الذي يصفق له الجميع و يقدمون له القرابين و كأنه إلاه لا أدري خوفا أم إحتراما ، و كأن الأخلاق أصبحت عيبا علينا إتباعها و هنا تماما فقد المجتمع رجولته و نخوته.
مجتمع ذكوري
حان الآن الوقت لفتح التحقيق و التدقيق في محاولة إستعادة كل ماتم تشويهه على مر السنوات ، تقول الدكتورة عزة فتحى أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس ، أننا مع الأسف مجتمع ذكوري مازال يؤمن أن الغلبة للرجل وأن المراة مجرد سلعة ووعاء للرغبة والإنجاب إضافة إلى انتشار الفكر السلفي المؤمن بنفس المعطيات ، و أرى الحلول من خلال التعليم ، والتعليم من خلال المناهج مثل علم الاجتماع وعلم النفس والتربية المدنية والدين ، ومن خلال أيضا الأنشطة المدرسية كالمسرح والإذاعة المدرسية والرياضة ، أما الدراما فيجب تحسين صورة المرأة فيها و هو دور المسؤولين عن الثقافة والإعلام والخطاب الدينى.
لم تعد تلك الفئة المعتدية من الرجال حد القتل تحترم المواثيق و العهود لذلك كان لزاما أن يطبق عليها قوانين العدالة المصرية لتعود الحقوق لأصحابها ، تحدث إلينا الخبير القانوني الدكتور محمود عرابي قائلا ، استيقظ المجتمع المصرى على كارثة ذبح الطالبة “نيرة”أمام بوابات جامعة المنصورة على يد زميل لها ..مايلقى بظلاله على مناقشة مسألة “العنف ضد المرأة “من نواحى عدة.
ففى حين يحتفل العالم بيوم ٢٥نوفمبر من كل عام باعتباره اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة وذلك بدأ من عام ١٩٨١واقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ١٩٩٩ودعت الحكومات والدول لإصدار التشريعات وإزالة العقبات لضمان حماية للمرأة سواء على مستوى الحياة العامة فى التمكين من الوظائف العامة وتكافؤ الفرص أو حتى على المستوى الأسرى والشخصى.
ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف
فقد بينت منظمة الصحة العالمية أن ثلث نساء العالم تعرضن للعنف سواء جسدى أو نفسى أو حتى جنسى وفى مصر بين المجلس القومى لحقوق المرأة أن ٢٨٪من الزوجات تعرضن للعنف من أزواجهن وأربعة من كل خمسة بنات تعرضن للعنف من أشقائهن الذكور، وقد عالج المشرع الدستورى فحرص على تكافؤ الفرص وحظر التمييز فى المادة “٥٥”منه
وقد خطأ خطوات كبيرة بموجب القانون ١٢٦لسنة ٢٠٠٨جرم الختان واعتبره مساسا بجسد الانثى، وغلظ جريمة مواقعة الانثى “الاغتصاب “فى حال كون الجانى من القائمين على تربيتها أو خدمتها لتصل إلى الإعدام بعد أن كان الحد الأقصى الإعدام بموجب المرسوم بقانون رقم “١١”لسنة ٢٠١١وكذلك بخصوص جريمة هتك العرض
ومن الناحية الاجرائية فقط نصت المادة ٤٦اجراءات جنائية على أن القائم بتفتيش انثى يكون انثى صونا لكرامتها وكذلك المحكوم عليهن بالاعدام من الحوامل يتم تاجيل الإعدام حتى يضعن حملهن ويرضعن وليدهن لمدة شهرين.
تمكين المرأة
ومؤخرا شهد المجتمع المصرى تطورا فى مسألة تمكين المرأة فلأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى تكون المرأة ضمن أعضاء النيابة العامة بدرجاتها المختلفة من محامين عموم ورؤساء نيابات كلية وكذلك الأمر بقضاء مجلس الدولة فقد أصبح من بين أعضائه لأول مرة قاضيات وكذلك عضوات بالمفوضين وكذلك صدور قانون تنظيم المجلس القومى للمرأة وقانون تجريم المنع من الميراث وقانون الخدمة المدنية وحظر التمييز.
ولكننا ندعو المشرع لإصدار قانون موحد لمجابهة العنف ضد المرأة على أن ينص على إجراءات استثنائية لضمان سرعة الإجراءات وتحقيق الردع العام فى ظل جرائم بشعة كمثال “فتاة المنصورة” فتكون محاكم خاصة ويتم توقيع عقوبة الاعدام فى ميدان عام بعاصمة المحافظة التى وقع فيها الجريمة بحضور وسائل الإعلام …واخيرا لا أجد أبلغ من قول الرسول فى حجة الوداع “ص” استوصوا بالنساء خيرًا.
ولأن النفس البشرية أمارة بالسوء مالم يتم ضبطها ، أوضح الطبيب النفسي عبد الوهاب أبو جازية أن الطب النفسي يرى ان العنف الموجه ضد المراه سببه الأم والأب في الأسرة الصغيرة ، عندما يحدث خلاف او شجار بين الاب والام يرى الابن والده يضرب امه وكذلك ترى البنت والدها يضرب امها فيعتاد الإبن على أن الرجل من حقه أن يضرب زوجته وتعتاد البنت أن تتعرض للضرب وتقبل دون اعتراض حين رأت أمها و هي قدوتها و هي تتحمل هذا العنف و تتجاوزه بنفسها أو بتدخل أهل الزوجين في حل المشكلة بالسكوت و التخطي.
لذلك يجب ان يرى الابن والبنت ان الاب يعاقب اذا ضرب الام وان الام يرد لها حقها اذا تعرضت للضرب ، وهناك أسباب أخرى مثل الفهم الخاطئ للدين فكل الذكور يحفظون عن ظهر قلب الآية القرآنية المذكور فيها ضرب النساء رغم ان العلماء قد فسروا ان الامر يتدرج من الوعظ اولا ثم الهجر في المضاجع اي في نفس المكان ولكن دون حديث ثم الضرب ولكن بالسواك دون استخدام الضرب المبرح أو الإهانه أو التحقير ، ويكتمل في المجتمع الذكوري هنا الخلل في فهم الدين لطريقه العقاب كما يرددون دائما اكثر للبنت ضلع يظهر لها ٤٤ ضلع آخر و بفرضون على البنت الإستماع للرجل دون مناقشة وإلا تتعرض للضرب.
العنف ضد المرأة
ضعف لغة الحوار أيضا من الأسباب الرئيسية لهذا العنف فلابد أن يعلم الرجل في مجتمعنا أن له وجهة نظر قابلة للنقاش والموافقة على الرفض وكذلك الأنثى وعندما يحدث الخلاف فقليل من يختار النضج بان يرجع الطرفين خطوتين حتى نعيد التفكير في حلول أخرى ويختار الأغلبية عدم النضج بطريقة الضرب للإقناع بالقهر والإذعان لرأي الرجل.
كما أن العدالة البطيئة ظلم للمظلوم و إفساد للظالم ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن )) اي ان العقاب الرادع و السريع للإعتداء على النساء هام جدا وضمان الإحترام الراديو للمرأة وعدم تكرار العنف ضدها ، ومن أسباب هذا العنف أيضا التطور السريع للعلاقات قبل مرحلة النضج حيث نجد الشباب والفتيات في مرحله المراهقة يدخلون في علاقات الحب وحين يحدث الخلاف يتطور الأمر للعنف لأن أحد الطرفين أو كلاهما لا يستطيع تقبل الرفض بسبب عدم النضج الذي لم يجعل تلك العلاقات تتطور بشكل تدريجي.
كما يجب على الآباء والأمهات أن يعلموا أبنائهم أنهم في فترة المراهقة لن يستطيعوا تحمل مسؤولية الحب في هذا التوقيت من حياتهم ، وأخيرا الإعلام الذي يظهر البنت تتعرض للعنف و الضرب و الحبس من الأب و الأخ و الخال و العم أحيانا ، و الزوجة التي تتعرض للضرب من الزوج وأفراد العائلة من الذكور أيضا ، و الفتاة المشردة التي تظهر في المسلسلات و الأفلام تتعرض للعنف و الإغتصاب و القتل و غيره ، و يظهر البطل في صورة شخص يشرب الخمر و يستخدم الأسلحة البيضاء و غيرها و يعتدي على الرجال و النساء على حد سواء.
الأديان تعادي العنف
واختتم الدكتور عبدالوهاب حديثه بقوله أن العلاج يبدأ من البيت أولا ، لابد أن يتربى الأبناء على ثقافة ان الأب يحترم الأم و يستمع لحديثها و أن الخلاف لايصل حد الإهانة أو التعنيف اللفظي أو الجسدي ، ثانيا تصحيح مفاهيم الدين للذكور بصورة تتماشى مع مايحدث لوقف العنف بأسرع الوسائل ، ثالثا التوجيه الجيد للإعلام لابد ان يخلو تماما من كل أشكال العنف وصخب الحديث ، وأخيرا القانون الرادع الذي يعمل بشكل ناجز ليرد الحقوق لأصحابها ن النساء بأسرع وقت حماية لهن من كل متطاول تسول له نفسه المساس بهن مرة أخرى.
كل الأديان تعادي العنف و ترفضه و في مجتمعاتنا الإسلامية أوضح العلماء كثيرا السلوك الصحيح للتعامل بين جميع أفراد المجتمع عامة و بين الرجل والمرأة خاصة ، و حول قضية العنف الموجه من الرجال ضد النساء قال الشيخ أحمد المنزلاوي أنه من الأشياء التي تشمئز منها النفوس في وقتنا الحالي هو تحول كثير من الرجال و الشباب عن المسار الأخلاقي الذي يرضي الله تعالى، و قد ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من الحوادث التي تدرج فيها الغضب إلى القتل و هذه الأفعال هي محرمة بنص القرآن ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا).
كما خاطب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في يوم النحر و قال (فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، فأعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ ) ، إذن فالأشياء التي تثار في هذا المجتمع هي حرام بنص القرآن و السنة ، والشباب في هذه الفترة نراهم يجنحون إلى الأفعال المشينة كشرب المخدرات وهذه الأشياء التي تعبث بعقولهم أفضت بهم إلى قتل أنفسهم وقتل غيرهم من الأبرياء دون مراعاة لحرمة قتل النفس و أمانة الحفاظ عليها كما أمر الله تعالى.
كما أوضح الشيخ أحمد أن الأخلاق هي أحد الأسباب الرئيسية لما يحدث في المجتمع الآن ، قال الله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) و قال لرسوله الكريم ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الرَّجُلُ علَى دينِ خليلِهِ فلينظُر أحدُكُم من يخالِلُ) ، فلابد أن نراقب أبنائنا ونحميهم من أصدقاء السوء ونعلمهم الابتعاد عن تلك الفئة التي تنشر الفساد في الأرض ، و نبعد أطفالنا عن مشاهدة كل مايثير النفس من أفلام خبيثة تعلم العنف و القسوة و المجون و بعيدة كل البعد عن كل مافيه خير لأبنائنا.