كتب: محمد عكاشة
يعد أمن واستقرار السودان جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، هكذا قال الرئيس السيسي، في وقت سابق، ودائما ما يؤكد عليه وعلى أهمية العلاقات المصربة السودانية الأصيلة، فهي قديمة بقدم التاريخ، خاصة أن تلك العلاقات شهدت اضطربا وزعزة على مدار العقود الماضية تحت حكم عمر البشير، الذي غادر السلطة مجبرا بثورة شعبية اندلعت احداثها في 19 ديسمبر من عام 2018.
فقد دأبت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإحداث تغير جذري في العلاقات المصرية الخارجية خلال الـ 7 سنوات الماضية، محاولة استعادة وضعها الطبيعي كقائد للقارة الأفريقية، ولاعبا هاما في المنطقة الشرق الأوسطية، استنادنا على هذا تمكن السيسي، بقيادة حكيمة ورصينة من سبر الأغوار وتحقيق السلام والاستقرار لمصر ولجيرانها.
-
البشير ابتزاز ونقطة ضعف:
يصف أحد المسئولين المصريين رفيعي المستوى في لقاء مع وسائل إعلام أمريكية، علاقة مصر بالبشير، وعدم الدخول معه في صدام رغم ما يسببه من اضرابات في العلاقات بين البلدين الشقيقين، قائلا “كان البشير مراوغاً طوال الوقت، لكننا كنا بحاجة ليس لشخصه، بل لاستقرار السودان، لأن أي اضطراب قد ينشأ يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري على أصعدة عدة”.
وفي خلال الشهور الأخيرة من حكمه مع تصاعد الاحتجاجات ضده، تقارب الرئيس السوداني المخلوع على نحو أكبر مع وجهة النظر المصرية بشأن سد النهضة في ضرورة الوصول إلى إتفاق ملزم لملء وتخزين السد، لتجنب أي أضرار قد تقع على دول المصب، في المقابل ليحظى نظامه بدعم من قبل الحكومة المصرية، التي تدرك أن مواقف البشير متغيرة ومضطربة.
-
الانقاذ من الفوضي:
بعدما سقط البشير في ، عقد بعدها بأيام الاتحاد الأفريقي جلسة مباحاثات خاصة في القاهرة لمناقشة الوضع في السودان، كانت لمصر رئاسة الاتحاد في هذا العام، وتولي عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، لكن كان لزاما عليه أن يترك الحكم لسلطة مدنيةـ خلال 3 أيام بعد إسقاط البشير، مما قد يتسبب في أعمال شغب وتفكك في البلاد التي عانت على مدار سنوات من حرب أهلية استنفزت مواردها وخيراتها.
فقد حرص الرئيس السيسي خلال جلسات المباحاثات التي شملت 11 بلداً إفريقيا، على تخفيف الضغط على المجلس العسكري الانتقالي، وتمديد المهلة إلى 3 أشهر حينها، تجتبا لأي فوضي أو أمور لزعزعة الاستقرار، ومبفقيا على تواجد لسودان عضو بالاتحاد الأفريقي، الذي تنص قوانينيه على تجميد عضوبة الدولة، إذ لم يسلم المجلس العسكري لحكومة مدنية خلال 3 أيام، معتبرا ذلك انقلابا عسكريا، إلا أن الدور المصري ساعد على إبقاء الداخل السوداني مستقرا وهادئاً.
-
حلف واحد ضد إثيوبيا:
استطاعت السياسة الحكيمة للدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي، أن تجذب الجانب السوداني في حلف واحد لمواجهة إثيوبيا التي تعنتت في موقفها، في عدم الإقرار والوصول لاتفاق ملزم لملء وتشغيل السد، وفقا لاتفاق المبادئ الموقعة بين الثلاثي قي 2015.
وقد انجلى التنسيق المميز بين مصر والسودان لحل أزمة سد النهضة من خلال تعاون الجانبين في الخطوات الدبلوماسية والأمنية لدرء مخاطر ملء وتشغيل سد النهضة، على رأسها تدويل القضية، حيث دعت الخرطوم إلى تكوين رباعي دولي يشرف على المفاوضات بشأن السد، يشمل الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، وقد ثمنت ودعمت القاهرة تلك الدعوة.
وقد أكد رئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك، في يناير ،2020 أن السودان لن يسمح بحدوث أي ضرر لمصر، في نهر النيل وأن موقف البلدين واحد في القضية.
ثم عقد الثلاثي مصر والسودان وإثيوبيا اجتماع ثلاثي في واشنطن، يناير 2020، واتفقت الدول الثلاث على اتفاق شامل حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وكان الموقف المصري السوداني متوافقا إلا أن إثيوبيا أخلت بتعهداتها ورفضت التوقيع.
-
زيارات على كل المستويات:
مع رحيل البشير، اتجهت القاهرة بقوة إلى تعزيز علاقتها الثنائية مع الخرطوم، لتتجلى في عديد من المواقف والزيارات الدبلوماسية، فقد حرص من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، في مارس 2020، الاتصال بالرئيس السيسي، الذي أكد للبرهان على الموقف المصري الاستراتيجي الداعم لأمن واستقرار السودان.
ثم دعمت القاهرة الخرطوم بشكل مباشر، إثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في نفس الشهر.
وعقد مدبولي في مايو 2020 عبر تقنية الفيديو كونفرنس اجتماع مع نظيره السوداني، فضلًا عن وزراء الخارجية والري ورئيسيّ جهازيّ المخابرات للبلدين الشقيقين.
وفي يوليو 2020 زار اللواء عبسا كامل رئيس المخابرات زيارة للخرطوم ليلتقي عبدالفتاح البرهان. ثم زار مدبولي الخرطوم، في أغسطس يرافقه وفد رفيع المستوى، ليوقع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم في عدد من المجالات.
وتضامن القاهرة بتوجيهات من الرئيس السيسي مع الازمة الإنسانية التي تعرض لها السودان إثر فياضانات عارمة، في سبتمبر 2020، لتسير مصر جسرا جويا عاجلا وأرسلت طواقم طبية ومساعدات طبية وغذائية من أجل دعم الشعب السوداني في محنته
ودعمت القاهرة سلام واستقرار السودان فعليا، من خلال دعمها لاتفاق السلام، في أكتوبر 2020، بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية لتي تضم قوى سياسية وحركات مسلحة، وحضر مدبولي مراسم الاتفاق ووقع كشاهد عليه.
-
مناورات عسكرية:
في 6 من أبريل من العام 2021، تم الإعلان فشل مفاوضات كينشاسا، والتي أطلق عليها “مفاوضات الفرصة الأخيرة، بين مصر والسودان إثيوبيا بخصوص سد النهضة، ليخرج الرئيس السيسي بعدها بيوم قائلا” بقول للأشقاء في أثيوبيا بلاش إننا نصل إلى مرحلة أنك أنت تمس نقطة مياه من مصر، لأن الخيارات كلها مفتوحة”.
لتبدأ القاهرة ترتيب خيارتها واستمرار أعمالها الدبلوماسية، فقد بدأت مصر لأول مرة منذ عقود إعادة توجيه اهتمامها العسكري جنوب القاهرة، وفي مطلع مارس 2021 وقعت مصر مع السودان اتفاقا أمنيًا.
ثم نفذ الجانبان مناورتين عسكرتين، أحدهما جوية وهي مناورة (نسور النيل) مطلع شهر إبريل، والأخري مناورة (حماة النيل)، كمناورة جوية وبرية في شهر مايو الماضي.
ووصف نائب رئيس أركان الجيش السوداني الفريق مجدى إبراهيم تلك المناورات، بأنها تدريبات ليست معنية بشئ محدد، لكنننا –في إشارة إلى الجانب المصري والسوداني- نسعى للاستفادة من خبرات الأخرين لنكون مستعدين لدفاع عن حقوقنا لأبعد الحدود”.