شيذان عامر
شهد ال23 من أكتوبر 2020 عملية تطبيع السودان مع الإحتلال الإسرائيلي بعد عدة سنوات من معارضتها لهذه الفكرة بداية من خوض السودان الحرب رسميا ضد إسرائيل في 1948 وحرب الأيام الستة في 1967 على الرغم من عدم مشاركتها في أزمة السويس وصولا إلى قمة الخرطوم أو ما عرفت بقمة اللاءات الثلاثة
حيث خرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاث
لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه.
لكن تحول الإمتناع إلى إذعان والتطويع إلى تطبيع خاصة مع ما يثار من ضغوط على السودان
حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية عزل النظام السودانى، وتضييق الخناق عليه فأقامت جبهة لحصاره تضم ثلاث دول هى إثيوبيا واريتريا وأوغندا. وأدرجته ضمن اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب عام1993
وأغلقت سفارتها بالخرطوم عام 1996، وفرضت عقوبات اقتصادية ضده عام 1997. ودعت لتعليق عضويته بصندوق النقد الدولى. ووجهت ضربة جوية للخرطوم عام 1998، إثر استهداف السفارتين الأمريكيتين بكينيا وتنزانيا. وعينت مبعوثاً خاصاً لشئون السودان، بغية تدويل مسألة الجنوب، وإدانة ما وصفته بتجارة الرقيق والإبادة الجماعية بحق الجنوبيين.
فمجرد إدخال السودان ضمن قائمة الإرهاب تعني حظر تصدير السلاح للسودان، وتقييد بيع وتصدير السلع ذات الاستخدام المشترك (مدنية وعسكرية)، وحظر تلقى المساعدات التنموية والقروض من المؤسسات التمويلية الدولية، والحرمان من الإعفاءات الأمريكية المتعلقة بالديون الخارجية.
مما انعكس بالسلب على مجمل الأوضاع بالسودان ودخولها عزلة إقليمية ودولية، بعدما اتخذت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى إجراءات مماثلة للإجراءات الأمريكية
مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، وهو ما مهد لانفصال جنوب السودان فى يوليو2011، وأدى لإضعاف نظام الإنقاذ، وتآكل شرعيته السياسية تدريجياً، وصولاً لسقوطه فى أبريل2019
وفي تصريح خاص ل أوان مصر يقول د. أيمن شبانة مدير مركز البحوث الأفريقية كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة إن السودان خاض مفاوضات مكثفة مع الإدارة الأمريكية بغية رفع اسمه من قائمة الإرهاب
وذلك منذ عهد نظام الإنقاذ، الذى تحول عن سياسة تصدير الثورة، وأبدى تعاوناً واضحاً فى ملفات مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال، فشارك فى عملية عاصفة الحزم باليمن فى مارس 2015، وقطع علاقته الدبلوماسية بإيران فى يناير2016، واستضاف مفاوضات تسوية الصراعات بأفريقيا الوسطى وجنوب السودان
ما دفع واشنطن لمكافأته عبر ثلاثة قرارات:
جاء أول تلك القرارات فى أكتوبر2017، بالإفراج عن الأرصدة السودانية بالبنوك الأمريكية، وإتاحة المبادلات التجارية والاستثمار.
وثانى القرارات فكان رفع اسم السودان من قائمة الدول المجندة للأطفال.
وتلى ذلك تعديل تصنيفه بتقرير الخارجية الأمريكية للعام 2018 فى مجال مكافحة الاتجار بالبشر من الفئة “المنتهكة لمعايير المكافحة” إلى الفئة الثانية “دول المراقبة”.
وتابع أنه بسقوط نظام الإنقاذ فى أبريل 2019، انتعشت آمال السودانيين فى رفع اسم بلادهم من قائمة داعمى الإرهاب، حيث تستهدف الحكومة الانتقالية تحسين الصورة القومية للسودان، وتدعيم أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وإخراجه من دائرة العزلة الدولية.
ولتحقيق ذلك ، سعت الحكومة لإنفاذ إجراءات الانتقال نحو الحكم المدنى، بإقرار الوثيقة الدستورية المنظمة للمرحلة الانتقالية، وتشكيل المجلس السيادى والحكومة المدنية، والإعداد لتكوين المجلس التشريعى، وإصدار قانونى تفكيك نظام الإنقاذ الوطنى، وإقامة مفوضية العدل، وإلغاء قانون النظام العام، وتوقيع اتفاق جوبا للسلام مع الحركات المسلحة فى 3 أكتوبر2020، والتعهد بإحترام حقوق الإنسان، وتعزيز المشاركة السياسية، وإجراء انتخابات نزيهة وتسليم السلطة لحكومة منتخبة فى نهاية المرحلة الانتقالية”.
وأضاف شبانه : عندما فرض ترامب علي السودان دفع تعويضات بادرت وزارة المالية السودانية فى أكتوبر2020 بوضع المبلغ المحدد فى الصندوق المخصص لذلك الغرض، وذلك إثباتاً لحسن النوايا، ولتصبح الكرة الآن فى ملعب الإدارة الأمريكية.
إلا أن أمريكا لم يكفها هذا وقامت بإبرام اشتراطات ستة لطالما تم الإعلان عنها وهى:
تحقيق السلام الشامل
السماح بإيصال المساعدات الإنسانية لمناطق الحرب بدار فور وجنوب كردفان، والنيل الأزرق
وضمان حقوق الإنسان، ودعم السلام بجنوب السودان،
ووقف دعم حركة جيش الرب بأوغندا
ووقف التعاون العسكرى مع كوريا الشمالية.
ليس هذا فحسب فواشنطن لم تكن لتفوت الفرصة دون تكثيف الضغوط على السودان، ومساومة حكومته على مزيد من الشروط
وأهمها: تسليم الرئيس السابق عمر البشير وكبار معاونيه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتقديم تعويضات مالية عن بعض العمليات الإرهابية، التى تحوم الشكوك حول تورط السودان فيها، وأهمها تفجير السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا عام 1998، وتفجير المدمرة الأمريكية كول بخليج عدن عام 2000، وذلك رغم صدور حكم قضائى، يخلى مسئولية السودان عن الحادث الأخير فى مارس2019.
لكن وبمرور الوقت تبين أن مسألة التطبيع السودانى مع إسرائيل أضحت شرطاً حاسماً لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
وبالفعل صدر بيان مشترك فى 23 أكتوبر2020 يفيد بأن قادة الولايات المتحدة والسودان وإسرائيل قد اتفقوا على
إنهاء العداء بين السودان وإسرائيل، وتطبيع العلاقات بينهما، والتعاون فى المجال الاقتصادى، مع البدء بقطاعات الزراعة، والتجارة والطيران والهجرة
ومع هذا فعملية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ليس مضمونة فهي لا تتوقف على التطبيع مع إسرائيل فحسب، حيث يرتهن ذلك أيضاً بضرورة فوز ترامب رسمياً بولاية رئاسية جديدة. كما أنه قانونياً يتطلب موافقة الكونجرس الأمريكى، والتى سوف تستغرق وقتاً أطول، بحسب قواعد العمل بالكونجرس.
يضاف لما سبق عدم تعديل شروط حسم الملف، أو وضع المزيد من الشروط اللازمة وهو أمر وارد بالنظر إلى الرفض الشعبى السودانى المتوقع للتطبيع، وأن الحكومة السودانية لا تملك الكثير من أوراق الضغط المؤثرة، التى يمكن من خلالها مساومة الولايات المتحدة.