“احنا زارنا النبي”.. مقولة اعتاد عليها المصريين ترحيبا بالضيف حينما يحل بهم، لكن، هل يجوز هذا القول شرعا حتى وإن كان من باب المجاملة والمبالغة في التعبير عن الترحاب والفرحة بقدوم الضيف؟، وما هو الحكم الشرعي لها؟ وهل تساوي زيارة أحد بزيارة النبي عليه الصلاة والسلام؟.
حكم مقولة احنا زارنا النبي
مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، قال، إن هناك بعض الناس قالوا : اتق الله في ألفاظك فهذه العبارات تخالف العقيدة، ما اعتاده المصريون من قولهم للزائر: (احنا زارنا النبي) صلى الله عليه وآله وسلم هو من العادات المستحسنة، التي يقصدون بها حصول بركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس الزيارة استبشارًا بقدوم الزائر؛ لما فيها من جبر خاطر الزائر وإدخال الفرح على قلبه، وإثارة لواعج الشوق وبعث الهمم الكوامن والعزائم السواكن إلى أشرف الخلائق، والاستزادة من اتصال الأمة بنبيها صلى الله عليه وآله وسلم.
و الزيارة هي قصد إنسانٍ زيارة غيره إكرامًا له وإدخالًا للفرح والسرور على قلبه، وملاطفته واستئناسًا به.
الاستشهاد بقول الإمام المناوي
واستشهد المفتي بقول الإمام المناوي في “فيض القدير” (1/ 366، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [والزيارة عرفًا قصد المزور إكرامًا له وإيناسًا به] اهـ.
والزيارة من الأسباب التي تجعل الإنسان يحظى بمحبة الله سبحانه وتعالى؛ لما فيها من إزالة الجفوة من النفوس بين الناس، وتقوية الروابط الاجتماعية والعلاقات الإنسانية؛ فقد ورد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ» أخرجه الإمام الترمذي في “سننه”، والإمام أحمد في “مسنده”.
قال الإمام ابن علان الشافعي في “دليل الفالحين” (3/ 256، ط. دار المعرفة): [والمراد أنَّ فاعل كل هذه الأمور.. إذا كان لوجه الله تعالى لا لعرض فانٍ، ولا لغرض؛ فإنه تجب له محبة مولاه] اهـ.
وقد جعل الإسلام إكرام الضيف أصلًا في كمال الإيمان بالله تعالى وسنة من سنن المرسلين، وقد أصَّلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاعدة ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَليُكْرِمْ ضَيفَهُ» رواه البخاري ومسلم في “صحيحيهما”؛ قال الإمام ابن بطال في “شرح صحيح البخاري” (9/ 310، ط. مكتبة الرشد): [يعنى مَن كان إيمانه بالله واليوم الآخر إيمانًا كاملًا فينبغى أن تكون هذه حالُهُ وصفته؛ فالضيافة من سنن المرسلين] اهـ.
أمر مستحسن
وأشار الدكتور شوقي علام إلى أن الناس في مصر المحروسة وغيرها اعتادوا قول: (احنا زارنا النبي) لمن أتى لهم زائرًا، ومراد القائل بذلك: إدخال السرور على الزائر بإظهار رجاء حلول بركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس عند مجيء هذا الزائر، وهذا من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ» أخرجه الطبراني في معاجمه: “الكبير” و”الأوسط” و”الصغير”.
فهذا القول من العادات الحسنة، التي فيها جبر خاطر الزائر وإدخال السرور على قلبه؛ لأن ذلك الشخص لم يجد من العبارات ما يعبر به عن مدى سعادته بزيارة ذلك الضيف، سوى أن يشبهه وكأنه قد هلَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر مستحسن شرعًا؛ فإنَّ التعود على مثل هذا القول يثير لواعج القلوب، ويبعث الهمم الكوامن والعزائم السواكن إلى أشرف الخلائق، ويزيد من اتصال الأمة بنبيها صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن المسلمين تهفو نفوسهم إلى زيارة سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى ذكر اسمه الشريف، والتعلق به؛ فيُدخل القائل بذلك السرور على قلب أخيه المسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَا يُحِبُّ لِيُسِرَّهُ سَرَّهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الدولابي في “الكنى والأسماء”، والطبراني في “المعجم الأوسط” من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وهذه الكلمة ممَّا جرى بها العرف، وإن الشارع قد راعى أعراف الناس وعوائدهم، فجعلها معتبرةً، بل استحسنها ما لم تخالف نصًّا؛ فقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ» أخرجه الإمام أحمد في “المسند”، والطبراني في “المعجم الأوسط” وصححه الحاكم في “المستدرك”.
ولا ريب في أنَّ مَن يقول هذه الكلمة لا يقصد بها المعنى الحقيقي، وهو أنَّ الزائر هو ذات الجناب النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يقصد معنًى آخر لا يتبادر إلى الذهن غيره، وهو التعبير عن الترحيب بالضيف، والحفاوة به، وحسن إكرامه، بالتبرك باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند حلول هذا الضيف؛ ممَّا يزيد الضيف فرحًا واستبشارًا.